10 سبتمبر 2025
تسجيلأردوغان وجه ضربات متتالية جعلت قتلة جمال خاشقجي ينهارون بالتدريج ارحمنا بالقاضية يا أردوغان لسان حال ابن سلمان وجماهيره في الوقت الحالي قضية خاشقجي يجب أن تبقى حية من أجله ومن أجل حرية الإنسان وحقوقه طر كالفراشة والسع كالنحلة، كانت هذه أحد أعظم الأقوال التي قالها الملاكم الأسطورة محمد علي كلاي رحمه الله، عندما كان يصف ما كان يجب أن يكون عليه المرء في أفعاله عندما يقاوم الجبروت المتمثل في الملاكم الذي أمامه. هذه النصيحة أثرت في الكثيرين، وشاهدت الكثير من الملاكمين الذين ساروا على نهجها في حلبة الملاكمة حتى وصل الأمر بأن يطلق على بعضهم لقب النحلة، لخفة حركتهم وقوة فتكهم بخصمهم. وخلال السنوات الماضية جميعنا عرفنا الرجل القائد الرزين رجب طيب أردوغان الذي قاد الجمهورية التركية لمصاف دول العالم، رغم كل الأزمات التي مر بها، ورغم كل اللكمات التي حاول البعض تسديدها له من ضرب العملة التركية إلى الانقلاب العسكري. لكني للمرة الأولى اكتشف أن الطيب أردوغان يقتدي بكلمات محمد علي كلاي ويمارس الملاكمة دون حساب للجولات، ولا رغبة في ضربة قاضية منذ البداية، بل يمارسها ليصل إلى ما بعد الجولة الأخيرة، يستسهل فيها خصمه ويمارس اللكمة تلو الأخرى، يدور في الحلبة وحده وسط دعم جمهور عالمي كبير، وخصمه لا حول له ولا قوة ؛ سوى تلقي اللكمات بابتسامة، بل وصل الأمر به أن يقول له «هل من مزيد» ؟، حتى وصل لمرحلة يقول فيها خصمه وجماهيره «ارحمنا بالقاضية يا أردوغان»!! هذه الملاكمة هي التي يمارسها الطيب أردوغان مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في قضية الصحفي المغدور جمال خاشقجي، فقد تعامل القائد المحنك مع القضية بشكل لا مثيل له، ساهم من خلاله في توجيه الاتهام الكامل والمباشر لولي العهد السعودي دون أن يقوم هو شخصياً باتهامه، وذلك من خلال تصريحاته المتكررة عن أن مرتكبي هذه الجريمة تلقوا تعليمات من سلطة عليا، أو من خلال تغييب ابن سلمان في خطابه الذي ألقاه أمام مجلس النواب. في الوقت نفسه قام بإجبار السعودية على الاعتراف بتفاصيل قتل خاشقجي تباعاً تحت ضغط التسريبات الإعلامية والمصادر الأمنية ومقاطع الفيديو وغيرها من المعلومات، فقد كانت الأجهزة الإعلامية والتركية تفضح كل رواية سعودية وتؤكد كل رواية تركية، وضرب مصداقية كل الاعلام السعودي أو المحسوب عليه، بل نجح في أن يجعلها أضحوكة أمام المهنية والمصداقية، تنفي شيئاً فيخرج تسريب مصور يؤكد عكس النفي. ونجح أردوغان وقياداته أيضاً في أن يجعل القيادة السعودية تحت كل هذا الضغط تقع في المزيد من الحماقات التي تكشفها أمام المجتمع الدولي سواء كان ذلك بممارسة الكذب العلني وتضارب التصريحات أو من خلال القيام بأفعال تؤكد التهمة عليهم. فكلنا نعلم كيف أن عادل الجبير قام بنفي معرفة ابن سلمان لعملية قتل جمال خاشقجي بينما ابن سلمان في لقاء سابق مع بلومبيرغ تحدث عن تفاصيل خروج خاشقجي من السفارة، فهل نصدق الجبير أم كلام ابن سلمان، أم نصدق مثلاً أنه في دولة مثل السعودية بكل تاريخها القمعي، وخاصة الحالية التي يحكمها ابن سلمان، قد يكون القنصل السعودي قدم معلومات مضللة لولي العهد السعودي وقال له ان خاشقجي خرج من السفارة، هل يمكن أحد أن يصدق ذلك ؟!!!. وفي الجانب السياسي لم يصدر من القيادة التركية الرسمية أي تصريحات هجومية أو انتقاد مباشر، بل تركز ذلك في قيام الأحزاب المعارضة أو أعضاء حزب التنمية والعدالة بالقيام بهذا الدور، وهو ما يجعل الحكومة في حل عن هذه التصريحات «غير الرسمية»، وهو تعاط ٍ سياسي مميز مع قضية إقليمية دولية. لقد تعاملت القيادة التركية بكافة درجات الامتياز، وأقدر حرصها على عدم الكشف عن التسجيلات والأدلة النهائية في هذه القضية، فالكشف عن الدليل يميت القضية إعلامياً، ويقضي عليها قانونياً، ويسمح للقتلة بالراحة، وهذا ما لا تريده لا تركيا ولا العالم، بل تريد ونريد من القيادة السعودية الاعتراف بجريمتها، ومحاسبة الفاعلين ومن أمرهم أمام العالم، ليكونوا درساً لكل من تسول له نفسه القيام بمثل هذا الفعل اللا إنساني مستقبلا. لسنا ضد السعودية كدولة في هذه القضية، لكننا أمام المجرمين الذين ارتكبوا هذه الجريمة أياً كانت جنسيتهم ومناصبهم، وضد القيادة السعودية في محاولة تسترها على الفاعلين ومن أمرهم بذلك في محاولة لإطالة أمد الأزمة ونسيانها دون حساب فعلي، وهو أسلوب يبدو أن من يقوم به قد تعلمه من الصهاينة الذين يطيلون أمد القضية على أساس أن العربي ملول وبالتالي ينسى قضيته مع مرور الوقت، لكن المشكلة التي وقعت فيها السعودية أنها تواجه اليوم التركي لا العربي، ويبدو أنه ليس بملول !. قضية خاشقجي يجب أن تبقى حية لا من أجل جمال خاشقجي وأسرته واسترداد حقوقه فقط، بل من أجل كل صحفي شريف في هذا العالم، ومن أجل كل إنسان في هذا العالم، من أجل سيادة العدالة والقانون، من أجل السياسة والدبلوماسية والعلاقات الدولية. قبل أيام احتفلت الجزيرة بعيدها الثاني والعشرين، وفي خطاب رئيس مجلس إدارتها الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني قال: إن الصحافة تحولت من مهنة متاعب إلى مهنة تضحيات، ورغم صدق العبارة، إلا أنها كانت قاسية على النفس ونحن نستذكر التضحيات والتي ليس آخرها قضية جمال خاشقجي. لقد صدق الشيخ حمد فيما قاله، وهو الرجل الذي قاد سفينة الجزيرة رغم كل العواصف، القناة التي قدمت التضحيات الكثيرة، وتعاملت معها بالحكمة والمهنية، لذلك هو يقدر قيمة العبارة رغم قوة الكلمة. ومن أجل كل مشاهد في هذا العالم، ومن أجل الحقيقة، ومن أجل أن لا تضيع حقوقنا، يجب أن تبقى القضية حية على الجزيرة، وكل القنوات الإعلامية الأخرى، كجزء من الأخلاق الإعلامية في التعامل مع زميل مهنة قتل من أجل حرية الكلمة. أعود لمحمد علي كلاي، وأتذكر مقولة أخرى لكلاي وكأني أرى الطيب أردوغان يرددها بينه وبين نفسه، حيث يقول كلاي: أنا لست الأفضل.. بل أنا الأفضل مرتين لأني ليس فقط أضرب خصمي ولكن لأنني أختار متى أنهي اللعب.