29 أكتوبر 2025

تسجيل

شَرطَا تَكْفير صَغَائِرِ الذُّنُوبِ

06 نوفمبر 2014

الذنوب منها الكبار ومنها الصغار، ولا بد للمسلم من مجاهدة نفسه حتى يسلس له منها الانقياد، والمرء بجبلته يقع في المعصية، قَالَ الرَسُولُ -صلى الله عليه وسلم-: «كُلّ بَنِي آدَمَ خَطّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطّائِينَ التّوّابُونَ»[1]، وقد ادخر الله -تعالى- عنده خيرا كثيرا، لقوم من أبرز صفاتهم ومحاسنهم اجتنابهم للكبائر:"وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ *وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ "[2] وفي النجم جاء في وصف من سيجزيهم الله بالحسنى أنهم "الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلاَّ اللمم "[3]، واللمم صغائر الذنوب وعلى هذا فالمسلم مطالب بالمجاهدة لنفسه حتى لا يقع في الكبائر فيغفر الله -تعالى- له الصغائر قال -تعالى- 1-"إن تجتنبوا كبائر ما تُنهون عنه نُكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً "[4]، هَذِهِ الْآيَةُ، نص في أن الذنوب منها ما هو صغائر ومنها ما هو كبائر - والكبائر بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ – وكذا الصغائر - ولَوْ كَانَتْ الذُّنُوبُ بِأَسْرِهَا كَبَائِرَ لَمْ يَصِحَّ الْفَصْلُ بَيْنَ مَا يُكَفَّرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَبَيْنَ الْكَبَائِرِ2-: وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ"[5] 3-: لَا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها"[6] 4-"وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ"[7] 5-"وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا"[8] وفى آية أخرى لم يوصف الإثم بوصفْ عظيم؛ وإن نص على تحريمه كما في الأعراف "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ "[9]"الْفَاحِشَةُ اسْمٌ لِلْكَبِيرَةِ لِأَنَّهُ قَدْ تَفَاحَشَ قُبْحُهَا أَيْ تَزَايَدَ وَالْإِثْمُ اسْمٌ لِمُطْلَقِ الذَّنْبِ سَوَاءٌ كَانَ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا فَلَمَّا حَرَّمَ الْكَبِيرَةَ أَرْدَفَهَا بِتَحْرِيمِ مُطْلَقِ الذَّنْبِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ التَّحْرِيمَ مَقْصُودٌ عَلَى الْكَبِيرَةِ، فَكَانَ مَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهُ حَرَّمَ الْكَبَائِرَ وَالصَّغَائِرَ 6-"إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ"[10] وفي هذه الآية دليل على أن الظلم منه ما هو عظيم ومنه ما هو دون ذلك، بدليل اعتراف أبوينا بالظلم " قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا.."[11] وإن لم يكن ظلمها ما نهى عنه لقمان ابنه، 7-: وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ"[12] وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَنْهِيَّاتِ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ: أَوَّلُهَا: الْكُفْرُ، وَثَانِيهَا: الْفُسُوقُ، وَثَالِثُهَا: الْعِصْيَانُ، فَلَا بُدَّ مِنْ فَرْقٍ بَيْنَ الْفُسُوقِ وَبَيْنَ الْعِصْيَانِ لِيَصِحَّ العطف، وما ذلك إِلَّا لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّغَائِرِ وَبَيْنَ الْكَبَائِرِ، فَالْكَبَائِرُ هِيَ الْفُسُوقُ، وَالصَّغَائِرُ هِيَ الْعِصْيَانُ، وفى السنة ورد أَنَّ الرَسُولَ -صلى الله عليه وسلم-: نَصَّ عَلَى ذُنُوبٍ بِأَعْيَانِهَا أَنَّهَا كَبَائِرُ،كقوله: «الكبائر: الْإِشْرَاكُ باللَّه وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ» وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْهَا مَا لَيْسَ مِنَ الْكَبَائِرِ، ومثل آية النساء في اجتناب الكبائر آية الأنفال8- :" إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ"[13] فتقوى الله متمثلة في اجتناب الكبائر وأداء الفرائض حتى يُفهم تكفير السيئات ولِيَظْهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، الوارد في الآيتين والمقصود بالسيئات هنا الصغائر فاجتناب الكبائر _ مع القيام بالأعمال الصالحة من مثل الصوم والصلاة والحج وغيرها من شعب الإيمان - يُكفِّر الصغائر لآيتيي النساء والأنفال وللحديث الصحيح «الصّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنّ، إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ»[14]، ولئن حُبس الشيطان في رمضان وتم دحره يوم عرفة فلا يُنجي من إغوائه إلا الإخلاص لله " لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين، إلاَّ عبادك منهم المخلصين "[15] والكبيرة: هي كل ما ورد فيه حد أو وعيد شديد وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا سَبْعَةٌ، ثُمَّ قَالَ: هِيَ إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِلَى السَّبْعِمِائَةِ أَقْرَبُ، وهذه فرصة ندعو فيها الإخوة والأخوات إلى قراءة كتابي: "الكبائر " للإمام الذهبي- رحمه الله- فقد جمع فيه قرابة السبعين كبيرة، لكنه عظيم النفع والفائدة وكتاب " الزواجر عن اقتراف الكبائر " للهيثمي فقد جمع فيه قرابة الثلاثمائة كبيرة مع أصولها من الكتاب والسنة وأقوال العلماء عن أخطارها وأضرارها فهما كتابان لا نظير لهما في بابهما، وذلك حتى يتأتَّى للمسلم اجتناب الكبيرة، فقد يقع فيها وهو لا يدرى ! ولهذا كان ابن مسعود -رضي الله عنه- يسأل الرَسُولُ -صلى الله عليه وسلم-: عن أعظم الذنوب ؟! ليتركها ويتجنبها: «سألتُ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: أيّ الذْنبِ أعظمُ عندَ الله؟ قال: أن تجعلَ للّهِ ندّاً وهوَ خَلَقَكَ، قلتُ إنّ ذلك لعظيم، قلتُ: ثمّ أيّ؟ قال: وأن تَقْتُلَ وَلَدَكَ تخافُ أن يَطعمَ معك، قلت: ثم أيّ؟ قال: أن تُزاني حَليلةَ جارِك»[16]، وكما قال عمر -رضي الله عنه- عرفت الشـرَّ لا للشر ولكن لتَوَقِّيه، وقال حُذَيْفَةُ صَاحِبُ السِرِّ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ الرَسُولُ --صلى الله عليه وسلم-: عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ أَقَعَ فِيهِ" ومع ذلك قَدْ خَفِيَ عَلَى حُذَيْفَةَ الَّذِي يُخْرِجُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنَ الْمَدِينَةِ وَعَلِمَهُ غَيْرُهُ " وهو الذي قد أَخْبَرَهُ الرَسُولُ -صلى الله عليه وسلم-: بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَا مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ سَأَلْتُهُ عَنْهُ، إِلَّا أَنِّي لَمْ أَسْأَلْهُ مَا يُخْرِجُ أهْلَ الْمَدِينَةِ مِنَ الْمَدِينَةِ " ومن العيب على المرء أن يظل غفلا جاهلا، ولا تعرفون الشر حتى يُصيبكم** ولا تعرفون الأمر إلا تدبرا.هذا وبالله التوفيق، ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل في القول والعمل.