16 سبتمبر 2025
تسجيلالحوار حول ضرورة وجود حرس جامعي ينتمي لجهاز الشرطة... حوار قديم، ويتجدد مع كل أحداث تخريب، ففي عام 1953 نشرت مجلة روزاليوسف تحقيقا حول الموضوع وسألت – ضمن من سألت – أستاذ الأجيال د. طه حسين الذي كان يعارض بشدة تبعية الحرس للداخلية، وسألت مدرسا في كلية العلوم بجامعة عين شمس وقتها فأيَّد بشدة تبعية الحرس للداخلية، كان اسم هذا المدرس د. مصطفى كمال حلمي الذي صار فيما بعد وزيرا معمَّرا للتعليم ثم رئيسا لمجلس الشورى!! وإذاً فالحوار قديم، والجديد فيه هذه الأيام أن معظم من يشاركون فيه يتجاهلون نقاطا جوهرية ويرفعون شعارات حماسية لا تمس صميم أصل القضية وهو: مدى تدخل الحرس الشرطي في الجامعات سياسيا. ومن يُنكرْ أن الحرس كان يتدخل سياسيا يضحكْ على نفسه وحدها ولن يصدقه أحد. كما يتجاهل المتحاورون أن فئة من قيادات الجامعات كانت منبطحة أقبح الانبطاح في تعاملها مع الحرس، حتى إن بعضهم كان يسمح لقائد حرس كليته بحضور اجتماعات مجلس الكلية، وكان الوزير المختص باختيار رؤساء الجامعات يأخذ برأي أمن الدولة وحده ويتجاهل تقارير بقية الأجهزة الرقابية. وسأذكر في هذه الصفحات نماذج عايشتها في التعامل مع الحرس الجامعي. منذ ثمانية عشر عاما وتحديدا في أكتوبر 1995 كنت عميدا لكلية التربية بسوهاج وافتتحتُ بها – لأول مرة- شعبة للغة الفرنسية، فدعوتُ (مع بدء العام الدراسي الأول لهذه الشعبة) أحد تجار الكتب بسور الأزبكية ليقيم معرضا للكتب داخل الجامعة بإيجار رمزي شريطة أن يوفر للطلاب قواميس فرنسية رخيصة الثمن. وفي اليوم المخصص لافتتاح المعرض جاءني قائد حرس الكلية منزعجا وكان برتبة رائد فقال إن طالبا تشاجر مع موظف بالكلية فضربه فشجَّ رأسه ومع الطالب زميل له من العلوم، وإن الموظف تلفظ بألفاظ لا تليق نتيجة انفعاله ونحن – الحرس – نستأذنكم في تحويل الطالب لقسم الشرطة لتحرير محضر تمهيدا لعرضه على النيابة. فقلت له: انتظرني أنت وقائد حرس الجامعة – وكان عميدا – ووكيل الكلية لشؤون الطلاب وأمين الكلية أمام المعرض الذي سأنزل لافتتاحه بعد قليل. فتذمر قائد حرس الكلية وبدا عليه الامتعاض وذكَّرني بأن رأس الموظف تنزف... الخ فلم أرد. فانصرف ساخطا ولكنه لم يملك سوى التنفيذ. وأمام المعرض كان الطلاب متجمهرين ينتظرون الافتتاح فقصصت الشريط وأذنت لهم بالدخول أولا، ثم وقفت مع من ذكرتهم قريبا من باب المعرض، نظرت في البداية إلى الموظف فوجدت أن البطحة التي في جبهته في حجم سن قلم الرصاص ونزفت عدة نقاط من الدم على قميصه لوكانت سُمّاً ما قتلتْ فأرا. في حين أن العبارات التي تلفَّظ بها تُخرِج المسلم من دينه، فقلت لأمين الكلية: اكتب لي مذكرة بإحالة هذا الموظف للتحقيق بتهمة كذا وكذا، وقلت للوكيل: يحال طالب التربية لتحقيق تمهيدا لمجلس تأديب. وخاطب زميلك وكيل العلوم للتحقيق مع زميل الطالب المتعدي. وأما أنت يا سيادة الرائد وسيادة العميد فنشكركما على حُسن تعاونكما. فتغير وجه العميد وأمسك بيدي لينتحي بي جانبا وقال لي منزعجا هامسا: "احنا كده منظرنا وحش أوي قدام الطلبة " قلت: لماذا؟ قال: "احنا في الحالات دي – في كل الكليات – بنعمل محاضر للطلاب" قلت له: أنا توليت مهام وظيفتي منذ ثلاثة أشهر، وإلى أن تنتهي مدتي لن أسمح لكم بهذا في كلية التربية لأن قانون تنظيم الجامعات يتضمن عقوبات لجميع من هم داخل أسوار الجامعة من الطالب إلى رئيس الجامعة. وحين نرى (نحن لا أنتم) أن الأمر يحتاج للتحقيق في النيابة العامة سنقوم نحن باتخاذ اللازم ومن خلالكم. منذ هذا اليوم ولمدة ست سنوات تالية كان كل قائد كلية جديد يأتي لكليتنا يسمع من سابقه نصيحة عني فحواها: هذا الرجل تعاملْ معه بالورق كأي مدير إدارة آخر. ولا تحاول أن تتجاوز حدود القانون. في تلك الأعوام كنت أسمع أن بعض قادة حرس كليات أخرى يتدخلون في تغيير أسماء ملاحظي اللجان الامتحانية ومراقبيها حسب وجود أقارب لهم يؤدون الامتحانات ويكون التغيير حسب سمعة الملاحظين والمراقبين تساهلا وتشديدا. وخلاصة القول: إن مواجهة أية أخطاء تحدث في الجامعات لا تتطلب بالضرورة استدعاء التدخل الأمني الشرطي، وإنما يجب أن تقوم على أساس تفعيل قانون تنظيم الجامعات، وهذا يتطلب قبله إحسان اختيار القيادات الجامعية القوية القادرة على الاستناد إلى قوة المنطق وليس إلى منطق القوة.