13 سبتمبر 2025
تسجيللو أنصف الدهر لكان الوطن العربي مثلا يحتذى به في تحقيق الأمن الغذائي العربي، بما يساعد على تفعيل الجهود القومية والقطرية الرامية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الرئيسية فمساحة الوطن العربي التي تقدر ب13،7 مليون كيلومتر مربع تقدر الأراضي الصالحة للزراعة منها بحوالي 175 مليون هكتار، وقد عرفت قدرا كبيرا من الصمود أمام تقلبات الاقتصاد العالمي كالركود الكبير في الولايات المتحدة في الثلاثينيات والركود التضخمي في السبعينيات حيث شكلت الموارد الزراعية في الوطن العربي 90% من الإنتاج الوطني وكانت نسبة العاملين في الزراعة أكثر من 70% ومع أنها منذ ذلك الوقت في تراجع إلا أن أزمة الركود التضخمي وصلت في أوج الجهود العربية المشتركة التي تمت في إطار جامعة الدول العربية وما انبثق عنها من المنظمات والمشروعات الزراعية العربية المشتركة الرامية إلى تشجيع زيادة الإنتاج لضمان الأمن الغذائي وتحقيق أقصى درجة من الاكتفاء الذاتي وزيادة العائد من الصادرات وتكثيف الجهود لتضييق الهوة بين الطلب على الغذاء وإنتاجه وبالتالي تزامنت أزمة السبعينات مع جهد عربي مشترك سبب لها دفعا واقيا من مخلفات أي طارئ إلا أن مجموعة العوامل التي عرفتها منطقتنا العربية بعد ذلك جملة وتفصيلا أصابت المكونات الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا العربية فالعوامل الطبيعية مثلا تسببت في التصحر والجفاف الذي عرفته المنطقة ف 89 % من أراضي الوطن العربي تتصف بمعدل هطول مطري سنوي تقل عن 400مم ومعظمها مهدد بالتصحر، أو متصحرة بسبب الرعي الجائر وزيادة الحمولة الرعوية مما أدى إلى الإخلال بالتوازن الطبيعي لنمو وتكاثر النباتات الطبيعية، وهو ما أثر بالسلب على حالة 26% من أراضي الوطن العربي بالإضافة إلى تصحر نسبة 21% من الأراضي بسبب قطع الأشجار. أدى هذا العامل إلى اضطرار المزارعين لاتخاذ خيارات صعبة من أجل البقاء على قيد الحياة، فتسبب في النزوح إلى المدن وهجر المزارع مما ضاعف من تدهور الأراضي، كما تسبب العامل الثاني والمتمثل في الضغوط الأجنبية من أجل إبقاء المنطقة العربية منطقة استهلاكية للمنتجات الغربية وبالتالي أضحت البلدان العربية رهينة الأسواق الأجنبية وخاضعة لها، أما العامل الأخير فهو حصيلة العاملين الأولين فتوفير المواد الاستهلاكية في فترة ما بأسعار أقل من كلفة الإنتاج في البلدان العربية أدى إلى هجر الأراضي الزراعية بل واستغلالها أحيانا في غير ما خصصت له و تزايد تدخل الدول في القطاع الزراعي خدمة للمصالح السياسية على حساب المصالح الاقتصادية. هذه العوامل وغيرها ساهمت بشكل كبير في تقاعس الدول بشكل متعمد أو أملته الضرورة في إهمال الواجب عليها وجعل الشعوب بالمقابل تسعى إلى حصول بديل عن التنمية بسبب تناقص الدعم والإهمال فتناقصت المساحة المستغلة حاليا إلى حوالي 53 مليون هكتار ما يعادل 30% فقط، أي أن حوالي 122 مليون هكتار لم يتم استغلالها!! علاوة على إهمال استغلال المساحات الهائلة من المراعي التي تقدر بحوالي 552 مليون هكتار، تكفل عند استغلالها مع الأراضي الزراعية، تأمين معظم احتياجات شعوبنا من السلع الغذائية وإلغاء الفجوة المتزايدة الاتساع بين معدلات نمو الإنتاج الزراعي وتزايد الطلب عليها عبر تطوير وزيادة الصناعات المعتمدة على المنتجات الزراعية، إلى جانب توفير فرص العمل وتشغيل حوالي 40% من العمال والفلاحين العاطلين عن العمل مما جعل الدول العربية التي كانت في حقب ماضية قادرة على تجاوز أزمة كأزمة الغذاء ملزمة حاليا بإنفاق حوالي 20 مليار دولار سنويا أي بنسبة 65% لسد تلك الفجوة وإذا كانت مستجدات الاقتصاد العالمي تملي واقعا جديدا غير الأحادية وتتطلب جهدا أكبر من حجم المساعي الفردية وحتى القطرية مما يستدعي عملاً عربياً مشتركاً واعتماد إستراتيجية قومية واضحة للأمن الغذائي معتمدة على الموارد العربية، والتوزيع الغذائي العادل، وتنشيط التنمية الزراعية العربية، والتكامل والترابط القطاعي، واستغلال الميزات النسبية لكل دولة عربية، فمعظم الدول العربية لديها الكثير من الموارد الطبيعية المجمدة التي تنقصها الاستثمارات اللازمة لإذابة الجليد من فوقها و تحويلها إلى سلع و خدمات تجارية تنفع الناس وتمكث في الأرض. كما تمتلك بعض الدول العربية رأس المال الوافر لكن تنقصها الموارد البشرية لتحويل هذه الأموال المجمدة إلى استثمارات اقتصادية عربية منتجة وبالتالي فإن توجيه رأس المال العربي للاستثمار في مشاريع التنمية الزراعية، سيحقق فوائد للدول العربية صاحبة رأس المال ويؤمن تمويل المشاريع الزراعية للبلدان العربية الأكثر فقرا ويمتن التنسيق الاقتصادي والتكامل بين أقطار الدول العربية بالإضافة إلى كون هذه المشاريع تحقق مصلحة كافة الأطراف خصوصا أننا نرى وندرك أيضا التوجه العالمي الجديد في تأكيد أهمية الاستثمار في الزراعة خصوصا والمنتجات الغذائية عموما على مستوى الحكومات والقطاع الخاص فهل سيشهد قادم الأيام تقدما ملموسا أكثر مما نري أم أن السفينة لا تجري على اليابسة فلا الحكومات ترى واقع شعوبها لتغيره ولا الشعوب تدرك كيف تشعر بآلامها حتى تتجاوز الآلام الصغرى لتدفع ما هو أعظم .