08 أكتوبر 2025

تسجيل

الأدب الإنساني ..تصنيف يبحث عن البلورة والأعمال الإبداعية

06 نوفمبر 2013

في إطار تصنيفات الأدب الكثيرة، هل يمكن أن نتطلع لتسمية جديدة هي " الأدب الإنساني/ الخيري/ التطوعي"، وهو الذي تندرج في إطاره الأعمال الإبداعية، التي ترتبط بالمعاناة والمصائب الإنسانية من فقر وأمراض وحروب وكوارث طبيعية، والأهوال والمحن التي تتعلق بذلك، من نزوج ولجوء وتشرد ويُتم وفقد للأزواج والأحبة، وقتل وسجن واختطاف وتعذيب، وإهانة وإهدار لكرامة وآدمية الإنسان تبعا لذلك من جهة، وغرس لقيم الخير والتطوع وإغاثة الملهوف ومساعدة المعوزين، وفك العاني ونصرة المظلوم وتفريج الكرب، وقضاء الدين عن المدينين، والمشي في حاجة الناس وإدخال السرور على قلوبهم، والتسرية عن المهمومين والمحزونين،وغيرها من جهة أخرى، وتحويلها إلى سلوكيات في حياة الناس، تترجم من خلال التطوع بالمال والوقت والجهد، وإشاعة روح الخيرية في الأفراد والمجتمعات، التي تجعل الإنسان إيجابيا رحيما متعاونا مع أرحامه وجيرانه وأبناء بلده وشعبه والأمة والإنسانية جمعاء، يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم، ويتدخل لإزالة بؤسهم وشقائهم وتحسين أوضاعهم الصعبة. وبناء عليه فهذا التصنيف الأدبي، فيما لو اعتمد ورسمت معالمه بوضوح، ورصدت الأعمال الإبداعية التي تنضوي في إطاره، من شعر وقصة ورواية ومسرح وخاطرة ودراما ودراسات وبحوث.. فإنه مهم لاعتبارات كثيرة: ـ الأول أنه قديم قدم وجود الإنسان على ظهر هذه البسيطة، نظرا لأنه واجه الظواهر الطبيعية والمناخية والكوارث والنكبات المرتبطة بها، كالزلازل والفيضانات والبراكين والأعاصير والجفاف والتصحر أو الحروب وويلاتها، وبالتالي فإنه وثيق الصلة بحياته والتحديات المرتبطة بها، مع ما في كل ذلك من تشبث للإنسان بالحياة، والانتصار على آلامها وغصصها، والتكيف مع مصاعبها، والصبر على لأوائها ونصبها. ـ وفي عصرنا الحاضر وتحديدا في الدول العربية والإسلامية والدول النامية أو المتخلفة، فإنه ينتظر أن يكون هذا الأدب أكثر التصاقا بنا وأكثر أهمية لنا، لأنه من المنتظر أن يكون الأكثر تعبيرا عن معاناتنا، والانتصار لقضايانا، كوننا نواجه الفقر ونعاني من الأمراض والحروب بأبرز تجلياتها، بسبب التخلف والتبعية والجهل والظلم، والديكتاتورية والفساد.. ويكفي أن ندلل على ما يحدث لدولة مثل سوريا منذ أكثر من عامين ونصف العام لنرى كيف توزع نحو سبعة ملايين شخص مستقر آمن على مساحات النزوح والتشرد بسبب الخوف والقصف وتدمير البيوت والمجازر، وكيف صار تسعة ملايين شخص ضمن خانة الفقر والحاجة للغداء حتى لا يكونوا فريسة الجوع، بعد أن كانوا لا يعانون من ذلك إلا قليلا، وكيف أصبحوا يضطرون للهجرة غير الشرعية لأوروبا على زوارق متهالكة، ليكون مصيرهم الغرق في عرض البحر، ومآل جثثهم طعاما لأسماك القرش. ـ أهميته لاستثارة الهمم وحفزها للتطوع بالمال والجهد والخبرة والوقت،وخدمة المجتمع، وبخاصة شريحة الشباب والأثرياء والمتميزين، لأننا أحوج ما نكون إلى هذه الطاقات، بالنظر إلى أن حجم الجهود والمبادرات والمشاريع والمؤسسات والتطوعية لايقارن بما لدى الغرب، وبالنظر إلى أن حجم الحاجة إليه على ضوء معاناة شعوبنا كما سبقت الإشارة إليه، ولأن من شأن العمل التطوعي الذي يسمى في الإطار المؤسسي القطاع الثالث الإسهام في علاج كثير من المشكلات التي لاتتمكن الدول من حلها، أو تقصر فيها على الأقل، والمشاركة في تنمية المجتمعات وبناء نهضتها، ومعروف ما للشعر والقصة والدراما من أدوار مؤثرة مباشرة أو غير مباشرة في التأثير وتحريك الأفئدة وتغيير السلوكيات. المقصود بالأدب الإنساني، ليس النزعة الإنسانية في الأدب، أو المشترك في الثقافة البشرية، وإن كان ذلك قد يكون متضمنا فيه، كما أنه ليس أدب الحرب أو الحروب، وإن كان الأخير جزءا بسيطا منه، أو يتقاطع معه في بعض الزوايا. ومن حسن حظنا أن تراثنا وموروثنا الثقافي، وثقافتنا الدينية غنية بهذا الأدب معانٍ وقيماً ونصوصاً وأعمالاً إبداعية وسيراً، تتضمن مواقف مؤثّرة، وصورا ناصعة مشرقة، بحيث تصلح كنماذج سردية حيّة، قادرة على الانتقال عبر الأزمنة، وتتمكّن من الإسهام في غرس وتعزيز القيم التربوية، وبخاصة لدى الأطفال والناشئة والشباب، نجد ذلك في كتاب الله عز وجلّ، في قصص كثيرة كقصة الخضر مع موسى عليه السلام، وفي الأحاديث والسيرة النبوية الشريفة، كقصة السحابة المأمورة، وقصة الأقرع والأعمى والأبرص، وفي قصة الرجل الذي دخل الجنة بسبب سقايته لكلب عاطش وغيرها، وفي سير صحابته الكرام كعثمان بن عفان وغيره، وسيرة ومواقف حاتم الطائي ضمن تراثنا العربي وغيرها. ولعل هذا ما يستدعي من الأدباء والكتاب الملتزمين أن يقوموا بإعادة صياغة هذه القصص بأدوات هذا العصر ومفاهيمه، حتى تكون قريبة من الواقع لغةً وأحداثاً، مع تخليصها من جفاف المادة التاريخية، وإضافة ما تحتاجه القصة من خيال وإبداع أدبيين. ويضاف إلى ذلك استلهام الأعمال الإبداعية من واقعنا المعاش، وهو ثري بالكثير من المواقف والمشاهد، كما نعايشه رأي العين. عموما نحن بحاجة كبيرة إلى هذا التصنيف " الأدب الإنساني " على مستوى التقعيد والبلورة والأعمال الإبداعية، وإلى تشمير الباحثين والمبدعين عن سواعدهم من أجل بلورته وإثرائه بصورة أكبر، وأكثر من أي وقت مضى.