29 أكتوبر 2025
تسجيلالأعياد في الإسلام لها صورتها الخاصة ونظامها وفلسفتها وتستمد مشروعيتها من كتاب الله وسنة رسوله محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وتعقب أداء ركن من أركان الإسلام وشعبة من شعب الإيمان فالفطر يعقب أداء ركن الإسلام: الصوم.. والأضحي يعقب أداء شعبة الإيمان الحج. وفي حديثنا عن خصائص شهر الصوم قلنا من ذلك أن أوَّل يوم يعقبه جعله الله تعالى عيدا وهنا يكمن سر فرح المسلمين ونشوتهم في أعيادهم.. حيث قد أمكنهم الله تعالى من أداء ما افترض عليهم من عبادات وأطال في أعمارهم حتى ازدادوا إيمانا بهذه الطاعات (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) إن الله تعالى جعل لكل قوم عيدا يعظمونه ويصلون فيه لله تعالى، وكل قوم اتخذوا عيدهم لعبا ولهوا إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم اتخذوه صلاة وذكرا وبرا بالفقراء وشفقة عليهم بصدقة الفطر في عيده وتوزيع لحوم الأضاحي يوم النحر وثلاثة أيام بعده. خلاصة سر التسمية للعيد بالعيد1. لرجوعه وعودته، أصله من عاد يعود أي رجع2. لأنهم يعودون إليه مرة بعد أخرى — قاله العيني.3. لكثرة عوائد الله تعالى فيهما.4. للعود فيه إلى المرح والفرح فهو يوم سرور الخلق كلهم.5. لأن كل إنسان يعود إلى قدر منزلته ألا ترى إلى اختلاف ملابسهم وهيئاتهم ومآكلهم فمنهم من يُضيف ومنهم من يُضاف.6. لأنه يوم شريف تشبيها بالعيد: وهو فحل كريم مشهور عند العرب وينسبون إليه فيقال: إبل عيدية ،عيدية أرهنت فيها الدنانير.7. لعود ما كان مأمورًا به في غيره من العبادة مباحاً تركه.8. لعود ما كان منهيًا عنه مباحًا فيه من نحو الغفلة والسهو، وعن الإكثار من العبادة.9. لأنه بدون إعطاء النفس حظها من الشهوات لا يتم للإنسان سرور اليوم، فمن حبس النفس للعبادة في يوم العيد فقد أخطأ حكمة الشارع صلوات الله وسلامه عليه، التي طلبها لأمته في يوم العيد.هذا والأعياد في الإسلام مناسبة لكثير من الأمور.. أولا: الصلاةوقد شرع الله تعالى لعباده صلاة العيد يوم العيد، وهي من تمام ذكر الله تعالى. وهي سنة لا ينبغي لمسلم تركها. بل ذهب فريق من أهل العلم إلى وجوبها؛ بدليل ما ورد عن أم عطية — رضي الله عنها — قالت: "أمَرَنا - تعني النبي صلى الله عليه وسلم - أن نُخرج في العيدين العواتق، وذوات الخدور، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين" والأمر بالخروج يقتضي الأمر بالصلاة لمن لا عذر لها، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء، فالرجال من باب أولى.. وقد دل حديث أم عطية رضي الله عنها — المتقدم — على مشروعية حضور النساء صلاة العيد. بشرط أن يكون ذلك على وجه تؤمن معه الفتنة بهن ومنهن، فيخرجن غير متطيبات، ولا متبرجات بزينة، بعيدات عن أماكن الرجال. وعلى المسلم أن يتذكر باجتماع الناس لصلاة العيد، اجتماعهم على صعيد واحد يوم البعث والجزاء، يوم يقوم الناس لرب العالمين. ويتذكر بتفاضلهم في هذا المجتمع، التفاضل الأكبر في الآخرة، قال الله تعالى: (انظر كيف فضّلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا). قال تعالى (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين . لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) الأنعام: 162 — 163. قيل: المراد بالصلاة هنا: صلاة العيد. والنسك جمع نسيكة، وهي الذبيحة، كذلك قال مجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وغيرهم وفي سورة الكوثر قال تعالى (فصل لربك وانحر). أي: أعبد ربك، وانحر له، كما أن المراد بالصلاة هنا: أيضا صلاة العيد أي عيد الأضحي.. أرأيت كيف أن يوم العيد عند المسلمين يكون محلا للصلاة والذكر والتكبير. ولا صلاة قبل صلاة العيد هذه ولا بعدها لما في "الصحيحين"، من حديث ابن عباس رَضِيَ الله عنهما: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج يوم الفطر، فصلى ركعتين لم يصلِّ قبلهما ولا بعدهما. وفي موطأ مالك رحمه الله تعالى. قال الزهري: لم أسمع أحداً من علمائنا يذكر أن أحداً من سلف الأمة كان يصلي قبل صلاة العيد وبعدها. هذا وصلاة العيد من كل عام في العيدين إنما يبدأ وقتها بعد شروق الشمس بعشرين دقيقة تقريبا وتصح فرادى لمن لم يشهد جماعتها كما أنها لا تفوت بفوات الجماعة. ثانيا: المظاهرة وتكثير سواد المسلمينفي مثل هذا الحشد الجامع من المسلمين الذين يلتقون على محبة ومودَّة ومناسبة سعيدة أبهى صورة وأجمل هيئة تلك التي يجتمع فيها المسلمون مع اختلاف جنسهم على ذكر الله وأداء صلاة العيد وإعلان التكبير وشعار الإسلام.. يُشارك في هذا الجمع كل المسلمين الرجال والنساء، الكبار والصغار على السواء والذكور والإناث حتى الحُيَّض منهم كل ذلك لتكثير سواد المسلمين، وهن وإن لم تكن عليهن صلاة لعدم توفر شرط الطهارة فإنهن يذكرن ويكبرن الله تعالى ويسمعن الموعظة ويتجاوبن مع الدعوة العامة لفعل الخير وعمل البر في الصحيحين: أنَّ رسولَ اللَّه صلى اللّه عليه وسلم أمر الحُيَّضَ بالخروج يومَ العيد فيشهدْنَ الخيرَ ودعوةَ المسلمين. حتى إن المرأة التي لا تجد من الثياب ما تخرج فيه لشهود هذا الخير سنَّ لها النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أن تستعير من أختها من الثياب ما تخرج فيه ولا تغيب عن هذا الجمع المبارك مع نسوة أخريات يكثر بهن سواد المسلمين.ثالثا: العيد مظهر من مظاهر الوحدة والجماعةعند الترمذي في سننه "الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس" قال الترمذي: فسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس، انتهى. وجاء في سبل السلام: "فيه دليل على أنه يعتبر في ثبوت العيد الموافقة للناس وأن المنفرد بمعرفة يوم العيد بالرؤية يجب عليه موافقة غيره ويلزمه حكمهم في الصلاة والإفطار والأضحية". رابعا: الذكر والتكبير في أيام العيدمن أعمال المسلمين في أعيادهم الذكر والتسبيح والتهليل لله تعالى فلا يغفل المسلمون عن ذكر الله تعالى أيام مرحهم وساعات ترويحهم عن أنفسهم فقد قال تعالى في آيات الصيام بعد بيان عدَّة أيام الصيام والمطالبة بإكمالها أقول بعد ذلك جاء الأمر بالتكبير والشكر لله تعالى في سورة البقرة (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) وقال تعالى في آيات الحج من سورة الحج (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) وقد شرع الله تعالى لعباده التكبير عند إكمال عدة رمضان من غروب الشمس آخر يوم من رمضان ودخول ليلة العيد إلى صلاة العيد. قال تعالى: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلّكم تشكرون).. وصفته أن يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. ويسن الجهر به وإظهاره في المساجد والمنازل والطرقات وكلّ موضع يجوز فيه ذكر الله تعالى. قال النووي رحمه الله تعالى في أذكاره: "ويستحبّ التكبير ليلتي العيدين، ويُستحبّ في عيد الفطر من غروب الشمس إلى أن يُحرم الإِمام بصلاة العيد، ويُستحبّ ذلك خلفَ الصلواتِ وغيرها من الأحوال. ويُكثر منه عند ازدحام الناس، ويُكَبِّر ماشياً وجالساً ومضطجعاً، وفي طريقه، وفي المسجد، وعلى فراشه.. وأما عيدُ الأضحى فيُكَبِّر فيه من بعد صلاة الصبح من يوم عَرَفة إلى أن يصليَ العصر من آخر أيام التشريق، وَيُكَبِّر خلفَ هذه العَصْرِ ثم يقطع". هذا وبالله التوفيق وكل عام أنتم والأمة الإسلامية جمعاء بخير وعافية.