27 سبتمبر 2025

تسجيل

العنف الرمزي.. الداء الخفي

06 أكتوبر 2022

رأس المال الاجتماعي هو مجموع ما ينفقه الإنسان على نفسه لتحسين وضعه الاجتماعي أو تموضعه داخل المجتمع، والإنفاق هنا ليس ماديا فقط وإنما سلوكي ومعنوي كذلك. أما العنف الرمزي فهو ما يمارسه البعض على البعض نتيجة تمايز وضعهم الاجتماعي أو الطبقي كأن يركب أحدهم سيارة فخمة وسط قرية لا يمتلك أهلها إلا الوسائل البدائية كوسيلة للمواصلات، فتأثير ذلك عليهم يندرج تحت ما يسمى بالعنف الرمزي والأمثلة كثيرة في هذا المجال. المواطن الخليجي والعربي بشكل عام موضع جلي لتمظهر هذين المؤشرين على شكل معادلة معكوسة تتمثل في اضمحلال رأس ماله الاجتماعي داخل مجتمعه وازدادت سطوة العنف الرمزي عليه من جهة أخرى من خلال بروز أشكال وتصرفات وأخلاقيات مادية ومعنوية تدل بشكل واضح على حالة من الاستعلاء في مقابل حالة من الضعف وقلة الحيلة، بينما الوضع الطبيعي هو العكس حيث من المفروض أن يزداد وضع المواطن الاجتماعي ثراء وتتناقص بالتالي حدة سطوة العنف الرمزي الموجه إليه لو أن هذه المجتمعات تسير في الوجه الصحيح لها. حتى في المجتمعات التقليدية كمجتمعاتنا الخليجية التي تعتمد على الإرث التاريخي للعائلة أو القبيلة أو الأفراد كرأس مال اجتماعي لم يعد ذلك واضحا وإنما الواضح أن ذلك في انحسار وليس سبب ذلك تطور البنى التقليدية للمجتمع بقدر ما هو سياسي الطابع وأمني الانضباط وتبعا لذلك يأتي طرف المعادلة الآخر وهو تزايد العنف الرمزي بأشكاله المختلفة وهو عنف كما قلت يؤذي نفسيا وقد لا يؤذي بدنيا ويأخذ شكلا أوضح حيث يبدو التمايز فج الظهور ويتجه المجتمع بالتالي إلى الانقسام أو الانشطار إلى طرفين رويدا رويدا. استطاعت مجتمعاتنا في السابق الاحتفاظ بوضع اجتماعي جيد لمواطنيها بعد ظهور النفط يجعل منه رأس مال حقيقيا لهم والمعروف أنه قبل النفط كان الجميع على قدر ومسافة واحدة من الثروة والجاه الاجتماعي الأمر الذي هون من الاختلال المادي بينهم كأفراد وعوائل ومع الوقت كان المعول لهم هو رأس المال هذا في تبنيهم لقضايا مجتمعهم حيث المكانة المميزة لهم جعلت الكفة تميل لصالحهم على جميع الحسابات والمعايير المادية التي قد يعبر عنها رأس المال المادي والحقيقي وبالتالي كانت مظاهر العنف الرمزي أقل بكثير مما هي عليه اليوم فكلما ازداد حجم رأس المال الاجتماعي للأفراد "المكانة الاجتماعية وتأثيرها" كلما خف تعريضهم للعنف الرمزي الذي يكشف تباين المجتمع حيث تعريض أو تعرض الشرائح الكبرى فيه للألم النفسي والشعور بالدونية وبانعدام التأثير. أود أن أنبه هنا إلى ضرورة المحافظة على رأس المال الاجتماعي للأفراد وأهل البلد بالشكل الذي لا يضع الحاضر في مقارنة أو مواجهة مع الماضي لأن الحاضر أغنى وأوفر وأكثر ثراء الأمر الذي سيؤدي بالتالي إلى اضمحلال أشكال العنف الرمزي التي بدت تظهر وتبدو أكثر وضوحا من ذي قبل. مواطن العنف الرمزي مواطن منهك لا ينتج ووطن العنف الرمزي وطن بلا مستقبل. لقد عاشت أجيال لا تملك سوى مكانتها الاجتماعية كرأس مال، كانوا أغنياء به واليوم هناك من يملك كنوز الدنيا ولكن لا رأس مال اجتماعي له داخل وطنه وصوته لا يكاد يصل أذنيه. خطورة هذه المعادلة بين هذين الموشرين أنها تعكس صحة المجتمع نفسيا واجتماعيا إذا كانت في وضعها الصحيح بازدياد رأس مال المجتمع الاجتماعي وبانخفاض نسبة تعرضه لأشكال العنف الرمزي، أما إذا انعكست هذه المعادلة فنحن أمام مجتمع يذبل رويدا رويدا وقد ينتهي إلى وضع يصبح من الصعب إطلاق صفة المجتمع ذاتها عليه.