12 سبتمبر 2025
تسجيلفي سبعينيات القرن الماضي وفي أحد المسلسلات الكويتية الشهيرة كان أحد الممثلين يؤدي دور «النوخذه بن عيدان» تاجر الخشب أو ما يسمى بـ «الدنجل» المشهور في الخليج، ومما تبقى في ذاكرة ذلك الجيل عن «بن عيدان» أنه شجاع لدرجة أنه يتعمد الإبحار في العاصفة كما يقال «ما يدش إلا في الضربة»، لكن شجاعته تلك أدت إلى خسارته كل ما يملك عندما جاءت الأخبار المفاجئة بأن «مركب بن عيدان طبع» أي غرق في البحر بكامل حمولته من الأخشاب. «ابن عيدان» وإن كان شخصية خيالية إلا أنه يجسد نموذجا لاسلوب حياة لا يقتصر على فئة دون أخرى، فهو يمثل الشخص الذي يتصرف بطريقة غير مسؤولة وكأن ليس لديه ما يخسره، سواءً أكان طالبًا على كرسي الدراسة أو موظفًا أو مسؤولًا، لا يفكر في مآلات الأمور عندما يقدم على عملٍ ما، ولا في عواقبها ظانًا أن ذلك من الشجاعة والبطولة، وينسى أن الشجاعة بلا حكمة ولا احتسابٍ للعواقب تسمى تهور، والمتهور مصدر تهديدٍ لنفسه ولأسرته وللمجتمع. قد تصادف ذلك النموذج في الطريق، يقود سيارته أو دراجته النارية بسرعة جنونية فيربك الحركة المرورية ويكتسح حقوق الآخرين برعونة، لا يحترم حقوق مستخدمي الطريق ولا يلتزم بقواعد المرور، فهو مشروع حادث وشيك قد يحدث في أي لحظة معرضًا الأبرياء للخطر. أما إذا دخل «بن عيدان» مجال التجارة فإنه يحلم بالثراء السريع ويتجاهل نصائح أهل الخبرة، فتجده جسورًا على الدخول في مشاريع تجارية غير مدروسة، وعلى المجازفة في الاقتراض وتكديس الديون، والتشبه برجال المال والأعمال، وعيش حياة الترف والبذخ، ثم لا يلبث أن ينتهي به الحال إلى خسائر فادحة، فينقلب ذلك الحلم إلى كابوس، ليجد نفسه بين عشية وضحاها من الغارمين الذين يبحثون عن طوق نجاة من التعرض للعقوبة، فيستجدي المؤسسات الخيرية ويحرج القريب والبعيد، ويصبح مصدر قلق لأسرته. تلك الفئة غير المنضبطة والتي لا تبالي بمصلحتها هي من باب أولى لا تبالي بالمصلحة العامة، وأعتقد بأن الأضرار التي يخلفها «البنعيدانيون» في المجتمعات لا تقتصر على ماسبق ذكره، بل إن بعض الدول والأقاليم قد عانت من ذلك النموذج في حراكها السياسي والاقتصادي، وفي قياداتها الحزبية المتحمسة لأيدولوجياتها دون أي اعتبار للحسابات السياسية والمنفعة العامة حتى أصبحت مقدرات تلك الدول أثرًا بعد عين. لذا ينبغي علينا كمؤسسات وأفراد أن نحرص على أن نتخذ كافة الإجراءات لردع هذا النموذج والحد من انتشاره، وأن نعمل على أن لا يصل «بن عيدان» إلى مراكز صنع القرار مهما صغرت المسؤولية. يقولون في الأمثال «ينفعك من نفع نفسه».