14 سبتمبر 2025
تسجيل- هل لرئيس البعثة الدبلوماسية استناداً إلى حصانة الدار أن يأوي فيها متهماً أو مجرماً فاراً من السلطات الأمنية الحكومية؟ - لو أن الحصانة كانت تستند إلى فكرة امتداد الإقليم كما كان شائعاً في وقت من الأوقات لكان قلنا من الجائز التردد في الإجابة على هذا السؤال بقولنا (لا يجوز)، خاصة وأن هناك ثوابت تمسك فيها بعض السفراء من بعض الدول بحق إيواء اللاجئين إليهم، وذلك من تتبع سلطان الأمن. وقد كان هناك من أيد وجهة النظر هذه إلى درجة القول أن دار البعثة الدبلوماسية بما أنها تعتبر كامتداد لإقليم الدولة التابعة لها فلا يجوز لرجال السلطات الأمنية المحلية تعقب المتهم أو المجرم داخل دار البعثة الدبلوماسية، كما أن هذه السلطات الأمنية لا تستطيع أن تقبض على هذا اللاجئ للدار الدبلوماسية إلا عن طريق بعض الإجراءات الخاصة بتسليم المجرمين الموجودين في الإقليم الأجنبي. لذلك.. يكاد يكون جميع فقهاء القانون الدولي متفقين على ذلك على أن ليست هناك قاعدة قانونية تسمح بإقرار حق الملجأ لدور البعثات الدبلوماسية، بسبب أن ليس هناك سبب مشروع يبيح للمبعوث الدبلوماسي أن يمنع دون تمكين الدولة صاحبة الإقليم من ممارسة سلطانها على الأشخاص الخاضعين لها والذين ينتهكون نظام وقوانين الدولة. لذلك حصانة دار البعثة الدبلوماسية عندما شرعت فإنما كان الهدف لتكفل للمبعوث الدبلوماسي الاستقلال والطمأنينة لأداء مهامه الدبلوماسية وليس من بين هذه المهام معاونة المجرمين والخارجين عن القانون في الدولة المعتمد لديها، وذلك من الإفلات من قبضة القانون، ولكن أيضاً هذا الرأي يميل الى التفرقة بين إيواء مرتكبي الجرائم العادية، ومرتكبي الجرائم السياسية، وإلى نوع من التسامح بالنسبة لإيواء المجرمين السياسيين، وذلك لاعتبارات إنسانية تستوجب حمايتهم أحياناً من الاعتداء عليهم أو الانتقام منهم، وقد جاءت هذه التفرقة في نصوص الاتفاقات الدولية التي أبرمت في هافانا سنة 1928 م بين الدول الأمريكية وايضاً في مشروع لائحة الحصانات الدبلوماسية الذي أقره مجمع القانون الدولي في اكسفورد، وكذلك تصرف الدول من بعض الحالات في أوقات مختلفة. 1) المجرمون العاديون: بناء على ما تقدم.. لا يجوز نهائياً لدور البعثة الدبلوماسية إيواء المجرمين العاديين، وإذا حدث ولجأ بعض من هؤلاء المجرمين إلى دور البعثات الدبلوماسية، يجب على رئيس البعثة أن يخطر السلطات الأمنية المحلية بذلك، كما ويجب عليه أن يسلم هذا المجرم الى هذه السلطات متى طلبت السلطات ذلك، ولكن أيضاً هناك نصوص قانونية دبلوماسية حديثة لم تذكر جزاء مخالفة قرار حظر إيواء المجرمين العاديين في دور البعثات الدبلوماسية، ولا جزاء من يرفض تسليم من قد لجأ إليها من المجرمين إلى سلطات الأمن المحلية، كما ولم يذكر ما يحق للسلطات المحلية أن تفعله في حالة رفضت البعثات الدبلوماسية تسليم المجرم اللاجئ إليها، وأيضاً هل يحق لها التجاوز عن الحصانة التي تتمتع بها دار البعثة الدبلوماسية؟، أو دخولها عنوة إلى دار البعثة الدبلوماسية وذلك عند الاقتضاء للقبض على المجرم؟ لذا.. قد لا يتردد عدد من فقهاء القانون والدبلوماسية والذين يؤخذ برأيهم من إقرار هذا الحق للدولة صاحبة الإقليم، وحتى يكون تصرف هذه الدولة سليماً، يجب أن يطلب وزير خارجية هذه الدولة رسمياً من رئيس البعثة الدبلوماسية تسليم هذا المجرم اللاجئ لدار البعثة الدبلوماسية الى سلطات الأمن المحلية، وقد تفيد هذه الدعوة في حرص حكومة الدولة صاحبة الإقليم على احترام حصانة دار البعثة الدبلوماسية، وفي حالة لم يستجبْ رئيس رئيس البعثة الدبلوماسية لهذه الدعوة جاز هنا محاصرة دار البعثة الدبلوماسية بقوات الأمن لمنع هروب هذا المجرم، ثم على وزير الخارجية أن يطلب من حكومة الدولة صاحبة الدار أن تقوم بتكليف رئيس البعثة الدبلوماسية بتسليم هذا المجرم، فإن لم تستجب هذه الحكومة لطلب تسليم المجرم أو رفضت الطلب ففي هذه الحالة على السلطات الأمنية المحلية اقتحام دار البعثة الدبلوماسية عنوة وبقوة القانون للقبض على هذا المجرم دون أن يوجه أي لوم قانوني أو دولي أو سياسي لهذه الدولة. وأيضاً يوجد هناك من لا يعترف بهذا الإجراء، ويرى بأن الإحاطة بدار البعثة الدبلوماسية يكفي في مثل هذه الحالات، وذلك فقط لمنع المجرم من الهرب، والاكتفاء بالقبض عليه عند محاولته الخروج من دار البعثة الدبلوماسية، وذلك حتى لا تتأثر العلاقات بين الدولتين نتيجة اقتحام دار البعثة الدبلوماسية عنوة، ووجهة نظر أخرى ترى أنه لا يمكن للدولة احترام أوضاع دبلوماسية معينة تتعدى الحدود المشروعة لهذه الحصانة وتصل إلى تعطيل ممارسة الدولة سلطاتها وسلطانها على مجموعة مجرمين يعبثون بنظام الدولة وأمنها وقوانيها. 2) المجرمون السياسيون: وإن كان إيواء المجرمين السياسيين لا يجوز أن تقوم به دور البعثات الدبلوماسية، إلا أن التعاطف الذي كان يبديه الرأي العام المحلي والعالمي على أمثال هؤلاء السياسيين، وذلك منذ قيام الحركات التحريرية في كثير من الدول جعلت من التسامح في شأن إيوائهم حماية لهم من الأخطار التي قد تهدد حياتهم. وبناء على ما تقدم، فإن إيواء المجرمين السياسيين في دار البعثات الدبلوماسية، وإن كانت تمارسه بعض الدول من فترة لأخرى، وفي مناسبات معينة لا يستند الى قواعد القانون الدولي، بل ويتعارض مع هذه القواعد الدولية، وفيه أيضاً مساس خطير بسيادة الدولة صاحبة الإقليم وتدخل سافر في شؤونها الخاصة، لذلك تفرض الدولة على المبعوثين الدبلوماسيين قبل كل شي احترام سيادة الدولة وعدم التدخل في شؤونها، ويجب عليهم أيضاً الامتناع عن منح أي مجرم الملجأ لكي لا يفلت من سلطات الأمن في هذه الدولة، وفي حالات نادرة وبدوافع إنسانية قوية ملحة حيث تكون حياة طالب الملجأ في خطر قتله فوراً، ولأبعاد هذا الخطر عنه في وقت معين فقط يمكن للمبعوث الدبلوماسي أن يستوثق من أن اللاجئ لن يتعرض لأي اعتداء من غير عناصر سلطان الأمن المحلية المسؤولة، وأن هذه السلطات سوف تقوم بحمايته لحين تسليمه واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحقه طبقاً للقانون التي تراه الدولة، هذا كله في حال إذا لم يكن هناك بين دولة الإقليم ودولة دار البعثة الدبلوماسية اتفاق خاص ينظم مثل تلك المواضيع. خبـير قانـوني [email protected]