12 سبتمبر 2025
تسجيلدار نقاش بيني وبين بعض الأصدقاء حول التنافس الدائر في الأوساط الطبية لإنتاج لقاح ناجع وفعال للتصدي لفيروس "كوفيد -19" والذي حتى وقت كتابة هذا المقال لم يستطع أحد ان يتغلب على القوة الرهيبة والمدمرة لهذه الآفة، ولعل الدمار الذي سببه الفيروس تعدى الأضرار الصحية والنفسية للمرضى، وإنما شمل كذلك آثارا اقتصادية واجتماعية غيرت في مفاهيم كثيرة حول العالم. ينسب للفيلسوف الإنكليزي فرانسيس بيكون قوله ان المعرفة بحد ذاتها قوة، في تعبير مجازي عن تأثير العلم والمعرفة في شتى مجالات الحياة، وتطور هذا القول او المفهوم ليختزل الى أن المعرفة قوة، وتم تداوله كحكمة عند الكتاب والسياسيين والعلماء وغيرهم، وبالنظر الى ما يفعله فيروس كورونا بالبشرية بالرغم من التقدم العلمي والتكنولوجي الذي حققته الانسانية، فإننا نقف عاجزين عن القضاء عليه او إيجاد دواء شاف او التحصن من هجماته الكارثية، وهنا يتضح لنا مدى عمق مقولة المعرفة هي القوة، فكل ما يلزم البشرية ان تفعله لمواجهة الفيروس هو معرفة نقطة ضعف الفيروس او فهم خصائصه أي بمعنى آخر الحصول على معلومات أكيدة وصحيحة حول ماهيته التركيبية بشكل دقيق حتى تفتح لنا أبواب حصونه المنيعة. ولكن هل المعرفة والعلم فقط تمنحاننا القوة، هل جميع المتعلمين والمثقفين وأصحاب المعارف والخبرات أقوياء بما يمتلكون من معرفة وعلم؟ ام إنهم يمتلكون مصدرا من مصادر القوة فقط؟. في اعتقادي ان امتلاك المعرفة شبيه بامتلاك الموهبة، فهي لا تفيد صاحبها الا اذا عرف كيف يستخدمها في المكان والزمان الصحيحين، فالموهبة اذا لم توظف فيما تنفع فيه فهي اما مقيدة او منسية او مركونة على رفوف الإهمال، وكذلك المعرفة تكون قوة عندما نستخدمها في مجالها فحينها نرى قوتها، فكم من ذي علم ومعرفة دفن نفسه تحت انقاض جهله بكيفية الاستفادة المثلى من معارفه وعلومه، وقد يظن حينها بأن المجتمع او البيئة التي يعيش بها تهمشه او تتجاهله، وفي واقع الامر انه هو الذي لم يستطع ابراز نفسه للآخرين. ان التاجر الناجح هو الذي يعرف كيف وأين ومتى يستثمر أمواله بشكل يضمن له الربح ويقلل عليه الخسارة، وكذلك المعرفة فهي رأس مال، ربحه مضمون إذا استخدمت في المكان والزمان المناسبين، فتمد من يمتلكها بالقوة وتبوئه الصدارة والمكانة شريطة ان تدار وتستثمر بحكمة وحنكة. لقد تفوق سيدنا آدم بعلمه ومعرفته بالاسماء على الملائكة التي خلقت من نور، بينما خلقه المولى عز وجل من طين وكرمه بتعليمه، ما يجعل له اليد العليا على الملائكة، بالرغم من أنهم الأغلبية، واتبع سيدنا موسى عليه السلام الخضر، الرجل الذي لم يبعث برسالة او نبوة ليتعلم وينهل من علمه الذي علمه إياه الله تبارك وتعالى. أما الهدهد هذا الطائر الصغير الضعيف الذي لا يكاد يقارن بما يملك سيدنا سليمان من ملك وقدرة، يقف أمام اعظم ملوك البشر في تلك الفترة ويقول له بكل ثقة وثبات "أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ"، وكأن الهدهد يضرب للإنسانية أعظم مثل في فضل وقوة المعرفة.