29 أكتوبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); قبل شهر ديسمبر من عام 1994 لم يكن أغلب العالم الإسلامي يعلم أن هنالك مسلمين يشكلون أغلبية في شمال القوقاز وينتمون للعرق الشيشاني، ففي هذا التاريخ شنت روسيا بقيادة الرئيس الروسي آنذاك "بوريس يلتسين" حرباً على هذه الجمهورية الصغيرة التي كانت تتمتع بحكم شبه ذاتي إثر سقوط الاتحاد السوفييتي محاولاً إعادتها لبيت الطاعة الروسي، تلك الحرب التي تصدى لها الشيشانيّون بشراسة بقيادة الزعيم المقاوم المسلم "جوهر دوداييڤ" مكبّدين الروس خسائر هائلة في الأرواح والعتاد العسكري، بعد ذلك أصبحت الشيشان والشيشانيين وقائدهم "جوهر دوداييڤ" يتصدرون عناوين الأخبار في جميع المحطات الإعلامية الدولية لسنوات. شيشان اليوم ليست شيشان الأمس، فقد عقد في عاصمتها جروزني قبل أيام مؤتمر مشبوه بَرُعاتِه ومنظميه والمدعوين إليه، وأثار البيان الختامي لهذا المؤتمر الذي يحمل عنوان "من هم أهل السنة" - والسنة منه براء - ردود أفعال كثيرة وحادة، ولعل أهم ردود الأفعال هو البيان الذي صدر عن هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، والذي حذر من هذا المؤتمر والأهداف التي عُقد من أجلها واصفاً إياه بـ "المثير للنعرات" و "المُذكي للعصبية"، وقد توالت ردود الأفعال بعد ذلك من خلال أكثر من عشرين رابطة وهيئة لعلماء المسلمين حول العالم، ولن أتناول ما دار في هذا المؤتمر ولا الفِرق التي حضرت، ولكن سأركّز على التصنيفات التي خرج بها بيانه الختامي والجهات الراعية والشخصيات التي دُعيت له والتوقيت والمكان الذي عُقد فيه والتي على أساسها سنعرف أهدافه. خرج المؤتمر في ختامه ببيان إقصائي استئصالي للسواد الأعظم من أهل السنة والجماعة ، فقد بدأ بإقصاء أهل السنة ممن ينتهجون نهج السلف الصالح وتعدى ذلك إلى عزل حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب التصحيحية التاريخية وكذلك الإخوان المسلمون الذين عُرفت حركتهم بالاعتدال والوسطية، ولم يكتفىِ البيان بعزل أغلب أهل السنة بل كان صريحاً وواضحاً بحصر "أهل السنة" في الأشاعرة والماتريدية والمتصوّفة ومن يؤمن بخرافاتهم وبدعهم فقط من أهل المذاهب الأربعة. الجهة الراعية للمؤتمر هي مؤسسة "طابة" التي يرأسها الصوفي الجفري وهي مؤسسة أنشأت لرسم صورة جديدة عن أهل السنة والجماعة لدى الغرب، صورة المتعبّدين في الصوامع المشغولين بالرقص العشوائي الهستيري والذين لا يسألون عن شؤون أمتهم ولا يناصرون قضاياها ولا ينصرون أخوتهم في الدين والعقيدة ويتحكم بهم كقطعان الماشية بعض المشعوذين وأهل الخرافات، وبالإمكان السيطرة عليهم بشراء هؤلاء المشعوذين وكسب ولائهم وبذلك يصبح "أهل السنة" المزعومين رهن الإشارة، وقد حددت هذه المؤسسة مهمتها عبر موقعها بالآتي:" إعادة تأهيل الخطاب الإسلامي لاستعادة قدرته على فهم الواقع وسبر أغواره وصياغة رؤى يستقي منها قادة الرأي والقرار مواقفهم وتوجهاتهم، مستندين في ذلك إلى مرجعية أصيلة واستيعاب للتنوع الثقافي والحضاري الإنساني". دُعي لهذا المؤتمر أقطاب الصوفية في العالم ومفتو الطغاة ومشرعني القتل من أمثال علي جمعة وأحمد الطيب وغيرهم والذين بحضورهم أضفوا الطابع الاستئصالي الذي طُبق في التجربة الإنقلابية المصرية على هذا المؤتمر، فقد سبق وأن شرعنوا استئصال نصف الشعب المصري، بل أفتوا بقتلهم كما قال علي جمعة في خطبته الشهيرة "اضرب بالمليان" و"طوبا لمن قتلهم وقتلوه" في تحريض سافر وغير مسبوق على قتل إخوته في الدين والوطن، فدعوة أمثال هؤلاء وتخصيص الصدر لهم يحمل دلالات واضحة. عُقد هذا المؤتمر الذي يدّعي زوراً بأنه يمثّل أهل السنة في توقيت مهم جداً تعيش فيه الأمة الإسلامية مآسي عظيمة، وبالرغم من ذلك لم يتطرق هذا المؤتمر ولا المؤتمرون فيه إلى أي قضية مصيرية من قضايا الأمة الإسلامية المعاصرة، لا القضية الفلسطينية ولا السورية ولا العراقية ولا اليمنية ولا حتى مأساة إخوتنا المسلمين من الروهينجا، مع أن جميع هذه المآسي مازالت تدور فصولها إلى الآن. المكان الذي عقد فيه المؤتمر وهي العاصمة الشيشانية جروزني ليس عشوائياً بل لإعطاء رسالة صريحة وصارخة لكل من يقف مع الشعب السوري بأن من يحكم هذه البلاد ويرعى هذا المؤتمر هو "أحمد قاديروڤ" العميل الروسي والخادم المطيع لبوتين الذي تقوم طائراته في الوقت الذي يعقد فيه المؤتمر بقصف المدن السورية وقتل رجالها ونسائها وأطفالها وتهجير ساكنيها وحرق مزارعها وهدم مبانيها، ولكي يؤكد للعالم الإسلامي رضى وتأييد المؤتمرين فيه عن كل ما يفعله بوتين في سوريا. ومن هنا تتشكل لنا أهداف هذا المؤتمر المشبوه، والذي أريدَ به ضرب صميم أهل السنة معتدلهم ومتشددهم، وذلك بِوَصمهم بالإرهاب بعد إقصائهم وعزلهم ومن ثم محاولة محاصرة حاضنتهم الشعبية التي تتركز في الخليج العربي والسياسية المتمثلة في المملكة العربية السعودية ودولة قطر اللتين تحتضنان التيار السلفي وفكر الحركة التصحيحية التي قادها الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى، ليكون ذلك لاحقاً منطلقاً لاتهام هاتين الدولتين بدعم التيارات الإرهابية. مؤتمر جروزني لن يكون الأخير، فبيانه الختامي جاء كما تشتهي الدوائر الروسية والغربية وكأنه صِيغ في موسكو أو واشنطن أو لندن، والدعم المادي السخي مستمر من قِبل بعض الأطراف، والغطاء الديني متوفر لمن يدفع أكثر.