14 سبتمبر 2025

تسجيل

إفطار صائم "سوداني"

06 أغسطس 2012

من رحمة الله على عباده في هذه الايام ان تتبلل كثير من مدن السودان بأمطار الخير والبركة وسط هجير ارتفاع جنوني في اسعار المواد التموينية، مما ضرب الاقتصاد السوداني نتيجة خروج ايرادات النفط وتدهور قيمة الجنيه السوداني امام العملات الاجنبية، وكثير من السياسات الخرقاء هنا وهناك لا مجال للخوض في تفاصيلها، ونحن بصدد قيمة متأصله في الشعب السوداني للتآزر والتكاتف والمروءة رغم الاختناق المعيشي لغالبية الاسر في المدن والارياف. ـ رمضان ـ عادةً ـ لا يبدأ بثبوت رؤية الهلال لان النسوة تستعد لهذا الشهر الفضيل وقبيل رجب وشوال بتجهيز رقائق "الحلو مر" المشروب الاكثر تداولاً، وانواع من البهارات واللحم المجفف ومسحوق البامية، وكرات طحين الذرة المجففة لزوم عمل العصيدة و"العقود" المشروب الدافئ لذيذ الطعم من الذرة والعرديب أو ما يعرف بالتمر هندي. قبل دخول رمضان بأسبوع يكون الشغل الشاغل للاطفال تجهيز ساحة كبيرة وسط المنازل تحاط بالطوب في شكل سجادة صلاة وتفرش بالرمال وترش بالماء وقبل أذان المغرب يتسابق الصبيان والشباب لإخراج "صينية" الفطور.. الكل يحمل صينية وحتى ولو بها فقط "كرة عصيدة" محاطة بملاح الروب او التقلية وبليلة وتمر منقوع في الماء، وما توافر من عصير كركدي وليمون او ابري. إن إفطار الصائم في العرف السوداني ليس وقفاً على الاغنياء والموسرين بل هو واجب محبب للجميع ترتسم به معاني التكافل لإفطار عابري الطريق والعزاب وسائقي العربات ومن داهمتهم ساعة الافطار وهم في الطريق.. وفيه ايضا تنوع للصائم بتناوله من طعام جيرانه وجبر لخواطره وكل بحسب قدرته وامكاناته ومعرفته لطبخات متنوعة. ـ الإفطار فى الطرقات والأحياء قيمة مضافة للتواصل بين الجيران وتلاقح ثقافي انساني بين القبائل والبيوتات، فمعروف ان اهل شمال السودان غذاؤهم الرئيسي من القمح والفول والذرة الشامية والتمر واللوبيا، في حين تأتي غالبية البقوليات والكركدي والعرديب والقنقليز "التبلدي" من كردفان والقضارف، في حين تتشابه مأكولات أهل شرق السودان وما يتناوله اهل الجزيرة العربية كالصيادية بالسمك والتمر والقهوة إلخ. ـ من الذكريات الرمضانية ان البائع المتجول كان ضيفا مستداما على احدى موائد افطار احد الاحياء، وكان مغرماً بسلطة الروب "عجور ولبن" فغافل صبي والدته وخلط بالسلطة كمية من "الشطة" فما ان أكل البائع ملعقة إلا وتناول "كورة " عصير القمردين ليفرقها تماما فتحسر الصبي، وبكى لان القمردين من العصاير غالية الثمن، ولا تستطيع كل الاسر شراءه وكان الصبي مكان تندر من رفقائه. ـ الأخبار الواردة من الوطن هذه الايام تتندر على ان صينية افطار الصائم ضمرت وشحت مكوناتها!! وما عادت تحتوي اللحوم والقمردين او حتى سلطة الروب، ولكن برغم ذلك ما زالت الاسر تصر على اقامة هذه الفضيلة ولو بأقل القليل، ذلك لان افطار عابري السبيل مقدم على افطار اهل الدار، وتأصيلا لمقولة "من عنده فضل زاد فليعد به على ما لا زاد له" حتى ولو كان تمرات وقليلاً من اللوبيا. همسة: كيف يجوع شعب في بلد زراعي يملك أكبر ثروة حيوانية.. إنها السياسات الخرقاء التي تجوع الشعوب في كثير من بلداننا العربية.