16 سبتمبر 2025

تسجيل

عصمة الأمة

06 يوليو 2015

لاشك إن العبادات مجتمعة تنشيء إنساناً كاملاً شريطة أن تؤدي أداءً حقيقياً فإذا وضع الدين صور العبادة ركوعاً وسجوداً في الصلاة وطوافاً بالبيت العتيق في حج أو عمرة وامتناعاً عن الشهوات المباحة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في الصوم فلا توصف هذه العبادات بأنها مخالفة للعقل مثلها مثل حالنا عندما نكتب باللغة العربية فإننا نكتب من ناحية اليمين إلى جهة اليسار ويكتب غيرنا لغاتهم من ناحية اليسار إلى جهة اليمين فما صلة ذلك بالعقل فمثل هذه الأشياء سواء لا صلة لها ولا دخل للعقل فيها، ونحن نرى الإنجليز يضعون مقود سياراتهم ناحية اليمين فإذا جاء الإسلام ووضع للدين صوراً للعبادات تؤدَّى من خلالها فما علاقة ذلك بالعقل أو الجنون كما وضع الدين الإسلامي ضوابط كثيرة لشرائعه ولم يترك هذه الأوضاع لكل ذوق حتى لا تشيع الفوضى. فحركة السير عند الإنجليز مثلاً وعندنا إنما هي عملية تنظيمية لا علاقة لها بعقل أو غيره.نحن نؤمن بقيمة التوفيق الإلهي وروعة الإمداد من رب السموات والأرض، ونعتقد أن الناس يوفرون على أنفسهم متاعب اللف في الطرق الضالة والتعرض لوعثائها وهذا عندما يطلبون من الله بين الحين والحين ي أن يسدد خطاهم ويصون وجهتهم ولن يأتي يوم يستغني فيه الناس بعزائمهم ونشاطهم عن الله جل في علاه.(يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد)وكما تحتاج الأجساد إلى طعام كي تستمر بها الحياة كذلك تحتاج الأرواح إلى مايغذيها كي تصفو وتزكو وترشد.قال الأستاذ محمد الغزالي عليه رحمة الله : حضرت بعثة من رجال دين أمريكان جاءوا لزيارة القاهرة واستمعت إلى الخطب التي ألقوها وراعني أن القس الشاب الذي يتحدث باسم قومه قال في نهاية كلامه : فلْنصلِّ لله الآن كي يُبارك جمعنا ويصلح عملنا.إن الشاب الأمريكي يصلي ويطلب من ربه أن يبارك الجمع إن ذلك عندنا صحيح ومقبول لكن عندما يسعى شاب أو شيخ مسلم ليصلي يقال له ما صلة هذه الصور التعبيدية بالعقل إنها غير معقولة. ولو وجهت السؤال نفسه لماذا هي معقولة عند القس الأمريكي وليست معقولة عند المسلم لربما قال: هذه أشياء تواضع عليها الأمريكان أو الغرب المسيحي فنقول : لماذا لا نكون نحن كذلك أمور تواضع عليها الدين الإسلامي كحركة السير والوقوف عند الإشارات والمنع في الأماكن الأخرى وعبور المارة.نعم إن هذه العبادات تنشيء الإنسان الكامل بشرط أن تؤدَّى على قاعدة (الذين يقيمون الصلاة) (وأقيموا الصلاة) لا تتخذ حرفة أو مسلاة أو عادة لأقوام يخلطونها بسلوكهم لا لتطهير نفوسهم بل ربما لتستر عوارهم وعثراتهم.فماذا يصنع الدين إذا كان موضوع عمله وهو الإنسان قد ذاب وتغيرت أوصافه إن الدين يأوي في نفوس أمثال هؤلاء البشر إلى خرائب بشرية لا إلى أخلاق سوية.هذا فيما يخص عامة الناس، أما الكبراء في الجملة في هذا الزمان فكان خطاب التكليف تجاوزهم كما تجاوز بعض المتصوفة وجمهور الشباب والمتعلمين والغالبية من الأغنياء والقادرين وكأنهم قد استغنوا عن الله.لنعلم أن إضاعة الصلاة واتباع الشهوات أمارة على انحطاط الأمة وسوء مصيرها لأن هذه الصلوات وأثرها ليس تربية فردية فقط ولكن الصلاة عصمة اجتماعية، فهي للشعوب ضمان ألا تفتكَّ بها الشهوات ولا تستشري بها العلل، ولذلك فإن الأجيال المنحطة هي التي تنصرف عن الصلاة، لأن الشيطان يومئذٍ يستهلك أوقاتها في الضياع والشتات قال الحق سبحانه (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة وأتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا).إن الصلوات ما أضاعها وماصرف الناس عنها إلا من يريدون لأمتنا أن تكون علفاً لمدافع أعداء هذا الدين من يهود وحاقدين، ولو أنهم علّموا الأمم كيف تصطف في الصلاة وتناجي ربها تشكر نعمته وتحمده على إفضاله، وتعاهده على أن تبقى متعبدة له مستعينة به حانية أصلابها ركوعاً وسجوداً ذاكرة الله باسمه العظيم الأعلى في الغدو والآصال حتى يتعلموا في زحام الحياة أن العظيم هو الله، وأن الأعلى هو الله وأن الخلائق صغرت أو كبرت ليست شيئاً مذكوراً أمام عظمته، فالله هو العظيم والله هو الأعلى.إن الصلاة في نظر الإسلام طريق الفلاح، وأساس التمكين في هذه الحياة ورباط الأخوة وما يترتب عليها من حقوق.لنتدبر جميعاً قول الله تعالى (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) وقوله (و أقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً).وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين