15 سبتمبر 2025

تسجيل

غريب يا ابن آدم

06 يوليو 2014

كلنا مجتمعون في ذلك المطار.. المعروف بمطار الحياة.. بوابة للقادمين وأخرى للمغادرين.. رغم انشغالنا في تفاهات الحياة فإننا ننسى أمور أخروية.. نتشبث بمطار الحياة.. فنرغب بعدم المغادرة، ولكن رحلة فإن كانت مستمرة، فإنها بلا شك لها نهاية. غريب يا ابن آدم.. رغم علمك بآنيّة الدنيا، فإنك لا تزال تظلم.. تجرح.. وتؤلم.. تُصر بعدها على براءتك وأنت تعلم في قرارة نفسك بظلمك المُستميت! آبد ومُعضل ذلك العقل الذي تحمله عندما يُقتل فيك الضمير.. فلا شيء يردعك إلا عندما تُصيبك لعنةً من السماء، فتخّرُ ساجداً لله عز وجل طالباً منه سبحانه العون! وأنت لم تترك أثر خطوات أحدهم إلا دعستها برجليك.. ولاحقت ظلا لآخر لكي تؤذيه!!غريب يا ابن آدم.. عندما يكون شعارك هو الفساد في الأرض، والحث على الرذيلة، والسعي لأكل مالاً حراماً.. واللهث وراء ما ليس هو من نصيبك، هذا هو السقم الذي لا دواء له عند بعض البشر، تراهم يُكابدون من أجل سفاسف الأمور دون الاكتراث بعواقبها.غريب يا ابن آدم.. عندما تُسرع في صلاتك.. وتُقلل من ذكرك لله عز وجل.. وتُقصّر في أمور دينك فتجعل الحياة من أولوياتك، وعندما تتعثر في الطريق تسأل: لماذا يحدث لي كل ذلك؟ تنتظر من الله التوفيق وأنت مُقصر معه ولا تساعد نفسك، فتظن أن الحياة ستوفر لك كل ما تريده بيُسر وسهولة، متناسياً أن الدنيا هي دار شقاء، وأما حلاوتها فإنها تحتاج إلى شكر الله تعالى عليها.غريب يا ابن آدم.. عندما تُذل نفسك للناس.. وتنسى رب الناس.. الذي خلقك وأكرمك.. تُهين نفسك من أجل المناصب فتتردد على شفاهك عبارات المهانة أمام كبيرهم فتقول: "شلوت سعادتك دفعةً للأمام.. وشخبطة إيدك هي تخطيط للمستقبل"! فرضيت أن تكون جهولاً.. أحمقاً.. ولا تعرف معنى الكرامة!غريب يا ابن آدم.. عندما ترتدي ثوباً لا يليق بك.. وكأنما لسان حال المثل الخليجي يقول: "ثوب ماهوب ثوبك يخب عليك "! فتوهم نفسك بكمالها... وتدّعي علمك بكل الأمور.. وأنك من بني قوم ليس كمثلهم شيء، فتفرد غترتك بغرور(والغترة معلجه بعد) وترتدي نظارتك الشمسية رافعاً أنفك لأعلى، وتسير في ممرات المكان الذي تعمل به، وعلامات الأُبهة والاختيال مُرتسمة عليك من قمة رأسك حتى أخمص قدميك.. والعقل في نهاية الأمر ليس إلا " كرتون بيض ".. ليش كل هذا؟ فمن تواضع لله رفعه.. ومن جعل الكبر غايته ومرماه سيراه الناس صغيراً! بل النار مثواه وإن كان الكبر بمقدار ذره! غريب يا ابن آدم.. حينما يُرعبك اسم أحدهم ولا تهزّ قلبك آية من كتاب الله.. وتدمع عينك على أغنية ولا تتأثر جوارحك بحديث شريف، تنقلب لديك المفاهيم رأساً على عقب دون سابق إنذار، وتتغير فجأة على من هم حولك بمجرد غلطة واحدة مهما كانت تفاهتها، وتتعجل في إصدار الأحكام على الآخرين وكأنما انطبق عليك قوله تعالى "وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا".غريب يا ابن آدم.. عندما تدّعي التديّن... وترتسم عليك مظاهره، وتتفنن في لبس أقنعة الورع والعفاف والتُقى، موهماً الآخرين بأن قلبك عامر بالإيمان، وأنت في حقيقة الأمر مريض بآفة الكذب والنفاق، بالرغم أنك مهما تظاهرت بذلك فإنه لابد أن تبين الحقيقة في يوم من الأيام، وينكشف أمرك المُضمر!وبوابة المغادرين في مطار الحياة ستكون مفتوحة دائماً بمواعيد محددة ودقيقة لا يعلمها إلا البارئ عز وجل، ولهذا الوقت الذي سيُباغتك فجأة استعد!نقطة فاصلة: هناك أشخاص ينتظرون التوفيق من الله.. وهم يظلمون ويقعون في أعراض الناس..فالله لا يظلمن مثقال ذرة في السماء والأرض..ويعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور..والتوفيق مرتبط لا محالة بحسن السريرة ونقاء النية..وليس السعي ضد أحد!