12 سبتمبر 2025

تسجيل

مأزق النظام السوري في تعاطيه مع الحوار الوطني والمعارضة

06 يوليو 2011

رهان النظام السوري على الزمن لحل مشكلته أو التغيير الشكلي خاسر الحادثة التي وقعت في مؤتمر المعارضة المقرّبة من السلطات السورية الأحد الماضي بدمشق والتي تمثلت في انقضاض عدد من المشاركين على شخص لمجرد أن غردّ خارج سربهم، وانحاز إلى خيار الشعب وما يطالب به حراكه السلمي بضرورة إسقاط النظام، والقيام بضربه ثم الهتاف بالشعار " الله.. سوريا.. وبشار وبس".. الحادثة مثلت تعبيرا عفويا عن المعارضة التي يمكن أن تقبل بها السلطة، وما يمكن أن يفضي إليه الحوار الوطني الذي من المتوقع إجراؤه في العاشر من الشهر الحالي بإدارة نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، بخلاف الوعود المعسولة المسبقة التي تحاول أن تروج لها مسبقا. لا يبدو أن المظاهرات السلمية التي وصل عدد محتجيها الجمعة الماضية ما يفوق مليون شخص والذين هتفت حناجرهم بسقوط النظام ورحيل الرئيس السوري قد أقنعت حتى الآن السلطات السورية للتعامل بطريقة مختلفة وجدية وصادقة مع المعارضة، بغض النظر عن التأخر الكبير الذي قد يعني أن الوقت قد فات على ذلك، مع افتراض وجود النية الصادقة. ورغم كل النداءات الموجّهة من داخل وخارج سوريا للنظام بضرورة إجراء إصلاحات حقيقية لا صورية تضمن تحولا ديمقراطيا تطلق فيه الحريات وتكون للشعب فيه كلمته، وتصان فيه حقوقه كحرية الرأي والتعبير والنشاط السياسي والتظاهر، إلا أن الملاحظ أن التغيير لا يتجاوز لدى النظام أشياء شكلية تشبه المكياج الذي يراد منه تجميل وجهه، وبخاصة أمام الخارج، واستهلاك الوقت في وعود مستقبلية ينظر إليها بكثير من الشك والريبة، وهو مايعيد إلى الأذهان المعارضة الشكلية التي اصطنعها حزبه الحاكم (البعث) لنفسه منذ عام 1972 ونقصد بها أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية. وبسبب ذلك فإن النظام بات يعاني من مأزق حقيقي، في تعامله مع المعارضة بكافة أطيافها وتوجهاتها بسبب رفضها في المجمل التعاطي معه: ـ فالمعارضة التي تقود الشارع ترفض أي حوار مع النظام، وتطالب فورا برحيله، بل إن " تنسيقيات الثورة" ترفض أي مؤتمر للمعارضة يعقد تحت مظلته. ـ تتجه كثير من الأحزاب والفعاليات السياسية داخل البلاد وضمنها شخصيات وطنية مقدّرة لعقد فعاليات تقدم من خلالها تصوراتها لحل الأزمة السورية وتنأى بنفسها عن الحوار الوطني المزمع عقده الأحد القادم، ومن هذه اللقاءات الملتقى التشاوري لشخصيات المعارضة الذي انعقد يوم 27/ يونيو الماضي، ومؤتمر الإنقاذ الوطني الذي ينتظر عقده بعد أقل من أسبوعين. ـ معارضة الخارج تكاد تقترب مواقفها من مواقف الشارع المحتج وتنسيقياته سواء من خلال مؤتمرها الأول في تركيا أو الآخر في بروكسيل. والسؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان الشارع المستمر في حراكه الثائر، وغالبية الأحزاب والتكوينات الحزبية التقليدية والسواد الأعظم من الشخصيات السياسية المعارضة داخل وخارج سوريا ترفض أي لقاء مع السلطة وتطلق مبادرات خاصة بها؛ فعن أي حوار تتحدث السلطة إذن؟! وعن أية معارضة تبحث أو تريد؟ حديث السلطة عن الحوار الوطني لا ينبغي أن يكون مع ذاتها أو قوى تفصّلها على مقاسها ووفق مزاجها وإلا فإنها ستظل تدور في حلقة مفرغة.. والمعارضة والحوار ليسا غاية بل هما وسيلتان من وسائل التغيير وعلامتان عليه، وإذا أصبحا ديكورا لمجرد الاستهلاك المحلي والخارجي فلا معنى لهما على الإطلاق. إن المعارضة عندما تنفضّ من حول السلطة ولا تريد الحوار معها في هذا المنعطف التاريخي المهم فإنما يعود ذلك لسياسات النظام وسلوكه، والذي يتمثل في تغليب الحل الأمني على السياسي حتى الآن في التعامل مع الحراك الشعبي السلمي والاستمرار بعقليته القديمة، وعدم الاعتراف بوجود أزمة في البلاد، أو إبداء حسن نوايا عملية لتمهيد أرضية للحوار، وبطء إجراءات الإصلاح وتأخرها وعدم اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة في هذا الصدد (الصدمة كما نصح الأتراك بذلك). حتى أحزاب المعارضة داخل وخارج سوريا اضطرت للاعتراف بتقصيرها في عملية التغيير، وبتقدم الشارع عليها في هذا المجال، واستلامه لزمام المبادرة، وضرورة أخذ مطالبه بعين الاعتبار والتحرك في سقفها في كل مبادراتها التي تطرحها للمخرج من الأزمة الراهنة. من الخطأ الفادح أن يراهن النظام السوري على الزمن لحل مشكلته أو على التغيير الشكلي، كما أن من الخطأ المراهنة على ضعف المعارضة بالنظر إلى تعدد أطيافها وتوجهاتها، أو العمل على إضعافها أو اجتذاب بعضها إليه أو محاولة تشتيتها أو تقسيمها، لأنها هذا التحول الحاصل يمر في مرحلة مخاض بعد حوالي نصف قرن من الدكتاتورية وتغييب العمل الحزبي الرسمي في سوريا، ورغم عدم قوة المعارضة التقليدية بالشكل الذي يسمح لها حاليا بإحداث التغيير الحاسم في البلاد، وتعدد المبادرات التي تطلقها إلا أن من المؤكد أن أغلبها يلتقي على كلمة سواء فيما يتعلق باليأس من إمكانية إصلاح النظام الراهن، وضرورة تغييره، وتجد نفسها مدعومة بقوة مدّ شعبي تجاوز حاجز الخوف وحراك احتجاجي جماهيري واسع يزادد توسعا في الاتجاهين الأفقي والعمودي، ما يجعل الزمن لصالحها ـ على الأرجح ـ لا لصالح النظام.