14 سبتمبر 2025
تسجيلموضوع التعليم والمشاكل التي تواجهه في المنطقة العربية في مختلف المستويات موضوع متجدد، يحتم على جميع المفكرين والكتّاب والتربويين بوجه خاص، التفكير دائما في كل ما يمكن عمله من أجل إيجاد الحلول لهذه المشاكل.خصوصا أن شعوبا أخرى سبقتنا في الاستعداد لهذا القرن العاصف الذي نعيش فيه، ووضعت استراتيجيات لمواجهته منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أي منذ أن بدأ العالم يعيش مرحلة جديدة من الاكتشافات التقنية المدمرة والاستقطاب السياسي والاقتصادي والتطوير الإداري والتنظيمي المطرد. هذه الشعوب وضعت سياسات محددة منذ ذلك الحين واستمرت في متابعتها وتعديلها وتنقيحها تبعا للمستجدات.وقد بات من الضروري أن يُنظَر إلى التعليم من زاوية أنه سياسة عامة ذات أهمية خاصة، لها آثار ونتائج تنعكس على بقية السياسات العامة الأخرى: الصحية والزراعية والاقتصادية والمالية والنقدية والضريبية والأمنية والبيئية والاجتماعية وغيرها، هذه السياسة كغيرها لا تعدو أن تكون ذلك البرنامج أو المشروع الذي تتبناه الجماهير أو الدولة لأجل حل مشكلة ما أو تحقيق هدف معين.وتبعا لذلك فإن أي سياسة عامة من الضروري أن تتضمن ملامح محددة لسياسة تعليمية تهيئ بناء الإنسان، ومن هنا لابد لأي سياسة عامة لدولة من الدول أن تتضمن ثلاثة جوانب هي:1- صنع السياسة التعليمية. 2- تنفيذ السياسة التعليمية.3- تقييم السياسة التعليمية. أي وضع البرنامج الوطني للسياسة التعليمية ثم تنفيذه على أرض الواقع ثم تقييم ما إذا حقق هذا البرنامج النتائج المطلوبة أم لا..؟ غير أن هذا أمر ليس بالسهل، إذ إن البرنامج نفسه يجب ألا يأتي ارتجاليا، أي يجب أن يسبقه تحديد الأهداف بدقة، وتحديد الأهداف تتحكم فيه حقائق الموارد المادية والبشرية، وقد تحتم ندرة هذه الموارد في بعض الحالات معرفة البرامج أو المشاريع البديلة ثم اختيار البديل الأفضل بناء على حسابات الربح والخسارة. وهذا لا يتأتى إلا إذا تتبعنا الأسس العلمية والموضوعية والعقلانية في الإعداد لهذه السياسات، أي بمعنى آخر يجب أن نكون على درجة كبيرة من الوضوح عندما نحدد الأهداف التي يترتب عليها تحديد الأولويات، غير أن درجة الوضوح هذه هي الأخرى تتطلب أن نكون على دراية بالبيئة التي يتم فيها صنع السياسة العامة –أي البيئة السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية والثقافية- إذ لا يمكن أن نقدم برنامجا رشيدا وعلميا وموضوعيا إلا بتوافر المعلومات الدقيقة والإحصاءات الصحيحة عن هذه البيئة.وسواء أكانت الجماهير الشعبية في المؤتمرات العامة والسياسية هي التي تصنع السياسة العامة التعليمية، أم كان ذلك اختصاصا تحتكره الحكومات، فإن وزارات التعليم والبحث العلمي في النهاية ما هي إلا أداة تنفيذ لهذه السياسة، فعلى العاملين بتلك الوزارات أن يأخذوا في الاعتبار المدى الذي وصلت إليه صناعة السياسة العامة من تعقيد وحساسية.فالخبراء الحكوميون أو أعضاء المؤتمرات المختصة، الذين يصنعون السياسة العامة للتعليم، والسياسات العامة الأخرى، يجب أن يكونوا على دراية تامة بحجم الموارد المتاحة والأهداف المطلوب تحقيقها والقوى أو الشرائح الاجتماعية التي تخدمها أو لا تخدمها تلك السياسة، ثم عليهم أن يكونوا على دراية بآليات التنفيذ وقدرات الجهاز التعليمي الإداري المنفذ للبرنامج والمؤسسات المختلفة التابعة له، لأن أي سياسة عامة لا تنفذ بطريقة جيدة لا تعطي نتائج جيدة منذ البداية. وعليهم أيضا أن يكونوا على دراية بآليات تقييم السياسة العامة وذلك لمعرفة مدى اتفاق النتائج مع الأهداف المعلنة قبل بدء التنفيذ، والتقييم في حد ذاته لا يتم بعد تنفيذ السياسة العامة فقط بل يسبق عملية إقرار تلك السياسة على شكل دراسات الجدوى التي تقوم أساسا على طرح المشروع برمته للنقاش والدراسة من قبل جميع القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في تلك السياسة أو التي ليس لها مصلحة فيها. كما أن المسؤولين عن صنع السياسة العامة يُفْتَرض فيهم أنهم واعون بأنهم يمارسون نشاطا سياسيا ويؤدون التزاما قانونيا عاما يمس جميع أفراد المجتمع. فيجب أن يتجاهلوا خلافاتهم الفكرية والشخصية، فقد تتنازعهم أحيانا مناهج علمية مختلفة ومتعارضة في بعض الأحيان قد يضر التشبث بها بالمصلحة الوطنية.إن أي سياسة عامة لكي تكون ناجحة يجب أن تقوم على فلسفة اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية ثابتة وواضحة، وتأخذ كل ما ذكر فيما يتعلق بإشكاليات الصنع والتنفيذ والتقييم مأخذ الجدية.