17 سبتمبر 2025

تسجيل

لا مفرّ للسيد عباس إلا هذه

06 مايو 2014

اليوم يتذكر الفلسطينيون نكبتهم، بل نكبة العرب في ولادة الوحش الكبير وهو الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين العربية، وفي الأمس الذي يحتفل فيه يهود إسرائيل بتلك الذكرى، يسجل زعيما الكتلتين السياسيتين الفلسطينيتين الرئيسيتين الرئيس محمود عباس والشيخ خالد مشعل صفعة قوية في مباراتهم مع العدو الإسرائيلي المماطل المتثعلب، إنه اتفاق مصالحة تاريخي برعاية الأشقاء في قطر، يخرجهم من النفق المظلم الذي عاشه الشعب الفلسطيني مشتتين في الآراء والنهج والولاءات، ولعل اتفاق الدوحة الأخير يرأب صدعهم ليستيقظوا مجددا، وتنهض همتهم أمام عنجهية الحكومات الإسرائيلية التي بددت عشرات السنين من المفاوضات الهزيلة لصالح أمنها واستقرار سكانها. ليس من باب المجاملة، ولكن الحقيقة أننا لا نرى اليوم على الساحة العربية سوى دولة قطر التي تتخذ إجراءات متفردة في محاولة تغيير الواقع الكئيب الذي آلت إليه القضية الفلسطينية التي تشرذمت باسمها الحكومات والزعامات والقيادات والحركات والفئات الشعبية، ولا أحد يهب لنجدة أهلها والأخذ بيدهم أو على يدهم، في ظل اجتماع غالبية دول العالم القوية على قلب رجل صهيوني متطرف واحد اسمه نتنياهو يريد أن يعيد دولته الإسرائيلية إلى عصر العبرانيين وعنصر اليهود قبل ألفين وخمسمائة عام، وهي التي أنشأها أسلافه على حلم الدولة الليبرالية عام 1948 بدعم إنجليزي أوروبي منقطع النظير. تاريخيا كانت الأردن ومصر هما الدولتان المعنيتان مباشرة بالجغرافيا السياسية الفلسطينية، فالضفة الغربية التي كانت جزءا من المملكة الأردنية ولا يزال غالبية من سكانها يحملون الجنسية الأردنية معنية تماما بما يجري على الساحة الفلسطينية ومن مصلحة الأردن الاطلاع على كل تفاصيل المفاوضات والتحركات والاتفاقات التي تجريها السلطة الوطنية الفلسطينية، ليس في خيمة الوزير جون كيري التي يبدو أنه سيطويها قريبا، ولكن مع جميع أطراف المشكلة، ولكن السلطات الأردنية لديها حساسية من حركة حماس التي تعاملت لفترة من الوقت مع السلطات الإيرانية، وأنا أعطيهم المبرر، لأن العرب تخلوا عنهم فجأة لصالح العدو الإسرائيلي، فسارعت طهران إلى تقديم الدعم المعنوي والمادي المباشر للقطاع فقير الموارد، مستغلة غباء السياسيين العرب أو خبثهم.مصر هي الأخرى أصبح نظامها الحاكم أكثر تطرفا من إسرائيل نفسها بما يتعلق بحماس وحركات الإسلام السياسي، ولذلك لم يعد يعنيها أي اتفاق أو توافق ما بين حماس كحاكم لغزة أو حركة في الضفة الغربية وما بين أي طرف آخر، بل يتمنى النظام المصري لو أن البحر يبتلعهم على طريقة تفكير رئيس وزراء إسرائيل الراحل إسحاق رابين ذات يوم، لذلك أغلقت أبوابها أمام السياحة السياسية لأي طرف يطمع في تحقيق تقدم حيوي بين الفلسطينيين أنفسهم، وحتى لو كان في غزة مشكلة كبيرة أو مصلحة أكبر للقاهرة، فإنهم لا يريدون أن يعترفوا بذلك، فهم يرون أن خطرا متسللا من الجهة الشمالية عبر رفح يعد أكثر خطرا من أن يثور الشعب المصري يوما على قلب رجل واحد ويتبرعوا بمصر إلى قائد فرنسي جديد يقود حملة استعمار من نسل نابليون بونابرت.إذاً ما الذي سيفعله الفلسطينيون، أيلجأون إلى تل أبيب ليستأجروا قاعة مفاوضات فيها برعاية الحاخام الأكبر، أم يستأجرون جزيرة في المحيط الهادئ ليعصفوا أفكارهم بهدوء، لقد أصبحت القضية الفلسطينية في مكب نفايات التاريخ السياسي العربي، ولا يريد أي من حكومات العرب التدخل لدعم مصالحتهم وخروج حكومة إجماع وطني تقود المرحلة المقبلة، وتحسّن شروط مفاوضاتها على أي طاولة مع الإسرائيليين، لتحقيق الحد الأدنى من الهيبة أمام ذلك الصلف اليهودي المتطرف، فالعرب انشغلوا سابقا بخلافاتهم غير المبررة، واليوم انكفأت المشاكل إلى داخل الدول العربية، فتشتتوا وانشغل كل في أزمته، ولم يبق سوى الأردن وقطر المعنيتين بقضية المصالحة الفلسطينية جغرافيا وسياسيا، فالدوحة إن استطاعت تدعيم الاتفاق الجديد دون أي انهيار للاتفاق أو تقاطع لوجهات النظر بين الطرفين مستقبلا ستكون لها الأفضلية، خصوصا أن الدوحة هي الوحيدة التي لا تزال مستعدة لتقديم الدعم المالي للفلسطينيين يواجه الحصار الإسرائيلي عليهم.إذا أراد السيد عباس أن يستمر كقائد فلسطيني رقم واحد وأن يعاد انتخابه مجددا بآلية ديمقراطية فإن عليه أن يصمد أمام رياح الضغوطات، فهذه فرصته الأخيرة ولا مفرّ له من مصالحة حقيقية خالصة من الرياء والخداع، فهو أثبت أنه سياسي محترف استطاع أن يواجه الخداع الإسرائيلي المتواصل، وإجراءاته الأخيرة بخصوص التوجه لانتساب فلسطين للمنظمات الأممية رغم الاعتراض الإسرائيلي، سيتوجها اتفاق المصالحة بين الإخوة المختلفين، والذي يقطع الطريق على بقية الإخوة المتخلفين الذين استمرأوا السلطة بالطعم الإسرائيلي، فإذا أراد الفلسطينيون إعادة الاعتبار لأنفسهم عليهم الاستماع إلى صوت أسراهم في معتقلات إسرائيل العنصرية وهم ينادون: نعم للجوع ولا للركوع.