12 سبتمبر 2025
تسجيلعندما سألتُها عن موقف لا تنساه أثناء زيارتها الأولى لأحد ميادين العمل الإنساني حدثتني عن دموع طفل يتيم، كان يبكي من الفرح، لأنها رسمتْ على وجهه الشخصية التي طلبها وهي "سبايدرمان" في حفل ترفيهي أقيم في قسم داخلي للأيتام، وعندما سألته عن سبب الدموع قال: لا أصدق أنني بطل ومغامر مثل سبايدر مان. أفعال بسيطة، لا تكلّف كثيرا، ولكنها تدخل السرور على القلوب، وترسم البسمة على الوجوه، وتجلو الحزن، وتذهِب الهمّ، لذلك فهي في ميزان الحق من أفضل وأعظم الأعمال وأجلّها، كما ورد في الهدي النبوي "من أفضل العمل إدخال السرور على المؤمن تقضي عنه دينًا، تقضي له حاجة، تنفس له كربة"، فكيف إذا كان المستهدف طفلا ويتيما. ولذا لم يكن مستغربا أن تُخلّد قصيدة "البلبل الغريب" الشاعر السوري بدوي الجبل لأنها حوت أبياتا من عيون الشعر العربي تفيض رقة وعذوبة، حينما ابتهل إلى الله كي يصون ضحكة الأطفال في أجواء من السلم، بعيدا عن أي ألم قد ينغّص عليهم حياتهم أو يملؤها بالحزن والأسى والشقاء: ويا ربّ من أجل الطفولة وحدها....أفضْ بركات السِلم شرقا ومغرباوصنْ ضحكة الأطفال يا ربّ إنها..إذا غرّدت في موحش الرمل أعشباوعندما زار وفد قطري الميدان، وتحديدا مدرسة أيتام ببنجلاديش قال أحد أعضاء الوفد إن من أكثر المواقف التي أثّرت في نفسه هي دموع الأطفال الذين تأثروا بموعد رحيل الوفد، وعودتهم إلى قطر، فقد طالبوهم بألا يغادروا وأن يمكثوا معهم. ولأنّ الأطفال هم أكثر الفئات تأثّرا بالنكبات والكوارث والحروب والأوضاع الاستثنائية، خصوصا في منطقتنا على ضوء ما حدث في السنوات الست الأخيرة، فإنّهم الأحق بتخفيف المعاناة، وإعادة البهجة إلى نفوسهم، فضلا عن معاناة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في الحالات الاعتيادية.ويمكن إعادة الابتسامة إلى شفاههم، والأمل إلى نفوسهم ليس بتقديم المساعدات المالية أو العينية، بل يمكن ذلك من خلال أساليب متعددة، فالكاتب والمؤلف من خلال الحكاية والمسرحية، والفنان من خلال رسم اللوحات والأعمال المسرحية والمسلسلات والأفلام والأناشيد، والمعلم من خلال إقامة الأنشطة والفعاليات المختلفة، ووسائل الإعلام من خلال الإنتاج الإعلامي كالبرامج والمواد الإعلامية التوعوية والترفيهية أو تقدم الدعم النفسي، وتلبية احتياجات ذوي الإعاقة من هذه الشريحة العمرية، وإطلاق المبادرات من منظمات المجتمع المدني والمجموعات التطوعية التي تصب في هذا الاتجاه، وتنظيم الرحلات الميدانية لليافعين والشباب التي تخدم هذا الجانب. ومن النماذج والمبادرات على سبيل المثال لا الحصر ما شاهدته من خلال تقرير متلفز عن معلمة مدرسة في البوسنة قامت بمبادرة لتعليم تلاميذها لغة الإشارة، حتى لا يشعر أحدهم - وهو أصم - بأنه غريب بين رفاقه. وداخل دولة قطر مبادرة "أعطني حريتي" ومن أهدافها منح الكفيف شعور الاستقلالية أثناء وجوده في الأماكن العامة دون الاعتماد على الغير، وتقوم في هذه المرحلة على طباعة قوائم الطعام في المطاعم بطريقة برايل، ليتمكن الكفيف من اختيار ما يريد من طعام وشراب.ويمكن إشراك الأطفال واليافعين منذ نعومة أظفارهم في رسم البسمة على شفاه أقرانهم وإسعادهم، وغرس هذه القيمة في نفوسهم في الصغر ليتربوا على هذه المعاني (الاهتمام بزملائهم وأقرانهم في بلادهم، أو خارجها .