15 أكتوبر 2025
تسجيليمتطي خيله منطلقاً بسؤدد وشموخ، يهز الأرض والأرصفة الرمادية بذلك الخيل، " خشمه " مرتفع إلى السماء ، وفي يده الأخرى " دلة قهوة " وبينما أكتافه ترتفع وتنزل مع حركة الخيل الأمر الذي يُخيّل إليك أنها تتراقص مع أغنية : " بالله تصبوا هالقهوة وزيدوها هيل" ! ، التفت إلى مجموعة من الأفراد واقفين ينظرون إليه بنظرة مَبْهُوتة فقال لهم:" اشلونكم "؟ ثم أكمل المسير ، تتدلى رجلاه الطويلتان للأسفل، مرتدياً ثوباً ناصع البياض وتفوح منه رائحة العود والعنبر … متحزماً … وعلى رأسه يرتدي غترةً وعقالاً " من النوع الزين"، يُداهم الطرق فيرى في نفسه بأنه أًشْوَسٌ .. بَاسِلٌ .. جَسُورٌ …" الخيل والهيل والبيزات تعرفني" …شعار وضعه صاحب الخيل والهيل لكي يُعلم الجميع بأنه هنا ! منفوخ الصدر … نَفّاج .. نَفَّاش ! " أنا قدها " ! يثق في نفسه بطريقة لا توصف فيُبين لك بأنه القادر على منحك ما تريد وفقاً لرؤيته الشخصية ، وتحت ما يُسمى بــ " مستر مزاج "، وانتبه عندما تنفعل " العنزة " التي بداخله فضربات يده على الطاولة لا تُطاق … وأحباله الصوتية قد تتحول إلى مكبرات صوت بترددات راديوية عالية قد تُفجّر طبلة أذنك … ومع ذلك " هو قدها " …يصل ابن الأشاوس إلى باب إحدى المجالس، فيرتفع الحصان إلى الأعلى مصدراً صوته الصهيل وفوقه فارسه الصنديد فترجل بعد أن تطاير غبار أقدام الخيل وسط أرجاء المكان …ترجل مُفاخِراً من حوله بما يملكه … ولأنه البطل "زحموا له ! " دخل وإذا بالحضور يقفون احتراماً لهيبته … نظارته الطبية على أنفه الطويل ليعلن بها الملأ فهمه وثقافته تمويهاً ، " وعليكم السلام ورحمة الله " ! يرد أصحاب المجلس السلام عليه !تتقارع فناجين القهوة … فتهتز بها الأيادي التي لا ترغب المزيد منها ، وصاحب الخيل والهيل متربعاً وأمامه دلة القهوة واقفة تنظر إليه بذهول، يشتم رائحتها ويتذوق مرارتها وهو غارق في الحديث عن طرق الإدارة والعمل الصحيحين … فيقول : " إذا أردت أن تعمل بطريقة سليمة قم بتشغيل هذا ! " وأشار بسبابته نحو رأسه ، ثم أشار إلى قلبه مقطباً حاجبيه : " أما هذا أنساه في الشغل " ! يُطنب في الحديث عن التواضع ويوهم الجميع بأنه يتسم بالحنكة والحصافة …تكاد تتكسر عضلات صدره عندما يخبطها بيده ويقول: "أنا قدها " ! في ذات المجلس كان هناك رجل ما ذكر بأن فلاناً سرق ! نصب ! مكْر ! ووضع يده الخبيثة على ما ليس له به حق … ومدّ ذلك الرجل صاحب الخيل والهيل بالبراهين ! وقال له :" ما ظنك نحن بفاعلين "؟ رد صاحبنا وقال :" خلوه علي ! لأقاتلنه ولأحاربنه ولأوقفنّ راتبه و" لأُفنشنّه " حتى يكون عبرةً لمن لا يعتبر! "، فإذا به يقوم من المجلس حانقاً من سوء ما بُشر به، مُسابقاً خطواته لتوقيع العقاب على من سرق ونصب، خاتماً كلامه بـــ " راح أعاقبه ولا يهمني هو من ولده ! " … فذهب مسرعاً تُسابقه خطواته وبيده دلته ، فامتطى خيله بغتةً ، وصدح المكان بصوت الصهيل، وعادت أكتافه إلى التراقص ثانيةً على أغنية :" بالله تصبوا هالقهوة وزيدوها هيل ! ". وصل صاحبنا إلى قعر داره متمتماً بكلمات التذمر ! فإذا بأحدهم يأتي من مكانٍ بعيد ، ملوحاً له بيده، يقترب ويقترب حتى انبلجت ملامحه، وما أن رأه مقترباً .. مسروراً … مستبشراً … فإذا بوجنتيه تنفرجُ، فتنازعوا متشابكين أياً منهما يُقبّل أنف الآخر أولاً ، " مرحبا و مسهلا ! " ، وامتدت السجادة الحمراء خاضعةً تحت قدمي الضيف متوجهاً إلى مجلس " الخيل والهيل "، فترّبع على الأرض وترّبع معه صاحبنا وهمّ في الحديث قائلاً: " هل تعرف " فلاناً " ؟ قال صاحبنا مندهشاً: " نعم " ، فقال الضيف: " فلان الذي سرق ونصب ومكر ووضع يده الخبيثة على ماليس له به حق ؟ " فرد صاحب الخيل والهيل: " نعم ! " فأخرج الضيف ولد الحمولة مسبحته الفخمة ذات اللون الداكن من جيبه قائلاً: " سامحه ! "، فرد ابن الأشاوس … البطل المغوار … صاحب الخيل والهيل بتوجس مذعور: " أبشر عمي ! ولو هي ذبيحه ما عشتك " …وهكذا تم حل مشكلة السارق بــ " حب الخشوم " بأن عاد إلى مكانته ومنزلته السابقة … وهكذا أصبح النّصاب بريئاً عندما " يتقلقص " ولد الحمولة " للدفاع عنه … والقانون يقف مذهولاً … مبهوتاً … مُحتاراً أمام ذلك الموقف … بعدها ذهبت دلة القهوة كسيرةً إلى مكتب الخدم طالبةً العودة إلى بلدها ناثرةً قليلاً من الهيل في منزل صاحبنا … وهرب الخيل إلى الصناعية تاركاً ملاحظة كتبها على حائط المنزل مضمونها: "هناك أفراد كلامهم أسطورة وأفعالهم " خربوطة " ! ".