15 سبتمبر 2025

تسجيل

إفطار شرقي بنكهة غزة

06 مارس 2024

عادةً ما تؤكد النصائح الطبية على أهمية وجبة الإفطار من حيث مد الجسم بالطاقة والنشاط مع بداية اليوم، ومن بين وجبات الإفطار المشهورة التي نصادفها في قوائم طعام الفنادق وخطوط الطيران وجبة الإفطار الشرقي الذي يتميز باحتوائه اطباقا عربية، مشكلته الوحيدة أنه يتسبب في التبلد الذهني والإحساس بالرغبة في النوم على عكس الأصناف الأخرى التي تملأ الجسد بالحيوية . قبل عدة أيام وبعد أن أكمل أحد الأصدقاء تمارين الصباح اليومية طلب من خادمته المحترفة إعداد وجبة الإفطار، ، فتح التلفاز على قناته الإخبارية المفضلة في انتظار الوجبة كعادته، كانت أحداث غزة وتحليلاتها وتقارير المراسلين تملأ الشاشة، يبدو أن هناك أمرا جللا!، نعم لقد قام أفراد من الجيش الصهيوني باستهداف الأهالي المتزاحمين حول شاحنات الإغاثة في شمال غزة، لقد اقتنصوا الآباء الذين يحاولون الحصول على شيء من الطحين لإشباع ذويهم، واستهدفوا الأمهات اللاتي اصطففن ينتظرن نصيبهن من حليب الأطفال، حتى عمال الإغاثة لم يسلموا من نيران الغدر الصهيونية، انها حقًا مشاهد تقشعر لها الأبدان، وتساءل صاحبي متى ينتهي هذا الظلم؟ لقد تأخرت الخادمة بعض الشيء لكنه التمس لها العذر عندما عرف أنها أعدت فطورًا شرقيًا، لقد جاءت بطبقٍ من الفول وصنفين من البيض وطبق من الأجبان المشكلة ولبنة بالزعتر لكنها لم تأت إلا برغيفين من الخبز، في هذه اللحظة كان يشاهد على الشاشة جثة شهيد مغطاة ببطانية وقد وضعت على عربة يجرها حمارٌ هزيلٌ يعرج متجهًا بها إلى مجمع الشفاء الطبي، وهناك امرأة تجمع أشلاء ابنها الذي كان ينتظر دوره ليملأ قنينته بماء الشرب، والمقام لا يتسع لوصف المشهد الفظيع والمجزرة التي ارتكبت أمام أعين العالم وعلى الهواء مباشرةً. واصل مشاهدة التلفاز وهو يتناول وجبة الإفطار وعينه على التلفاز، كانت المشاهد المؤلمة تعاد كل خمس دقائق تقريبًا بينما المذيع يواصل حديثه مع المراسل ، الغريب أن الشهيد الذي كان على العربة بدا في عرض الإعادة لتلك اللقطات الفظيعة ملفوفًا بعلم جامعة الدول العربية وكان الذي يجر العربة هذه المرة حصان عربي أصيل، بل إنه متأكد من أنه سمع صوت المدافع تطلق إحدى وعشرين طلقة، ولم ير تلك الأم التي كانت تجمع اشلاء ابنها كما كانت في العرض الأول للخبر بل رآها هذه المرة تجمع ما تناثر من شاحنة الإغاثة من حبوب وفتات الطعام، هنا أدرك صاحبنا ان مفعول الإفطار الشرقي قد بدأ يؤثر على إدراكه ووعيه، وأن عليه تأجيل كل أعماله الى الغد، فالنوم سلطانٌ جائر لا يقاوم، وقد صدق الشاعرمعروف الرصافي عندما قال: يا قوم لا تتكّلموا إن الكلام محرَّم ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلاّ النُوَّم