11 سبتمبر 2025

تسجيل

(ان حبتك عيني)

06 مارس 2022

دخل بوراشد على رئيس التحرير وقد انتهى للتو من كتابة مقال جديد سيناقش فيه كعادته إحدى المشاكل المتعلقة بالمجتمع أو سيلقي الضوء على هم من هموم المواطن الحياتية اليومية. قدم بوراشد مسودة المقال لرئيس التحرير ليقرأه وجلس على إحدى الأرائك الوثيرة والمنتشرة في مكتب الرئيس وأخذ يرتشف من "بيالة (كأس صغير)" الشاي المحلى بالزعفران وماء الورد في هدوء وسكينة، فهو ينتظر موافقة الرئيس المعتادة على مقاله، لأنه يعرف أن الرئيس يثق في مصداقية وشفافية ما يطرحه ويتناوله بمقالاته، وما هي إلا دقائق معدودة حتى أنزل رئيس التحرير نظارة القراءة ووضع مسودة المقال على طاولة مكتبه والتفت إلى بوراشد وقال "بوراشد شكلك تبغينا نرمض (أي نقضي رمضان) على عدس ولوبا (فاصوليا) السنة"، تفاجأ بوراشد من كلام رئيس التحرير فوجبة العدس واللوبا مشهور أنها تقدم في مكان معين لا يحبذ بوراشد أو رئيس التحرير دخوله أو حتى زيارته، فرد بسرعة "عسى ماشر طال عمرك ترى انا ما قصدي شي ولا أوجه الكلام الى اي أحد معين مجرد خواطر عامة عن أوضاع موجودة في كل زمان ومكان، والله يكافينا الشر، عدس ولوبا في رمضان عزة الله صمنا عيل، يا خوي تكفى مافيني حيل ترى من أول كف بقول انت اللي قايل لي اكتب"، ضحك رئيس التحرير من ردة فعل بوراشد السريعة فقال "الله يهداك يا بوراشد ما ادري شكنت تفكر فيه يوم كتبت ذا المقال خلني ابدى معاك من العنوان مسميه "ان حبتك عيني" وهذا مثل تكملته "ما ضامك الدهر" وهو إشارة إلى محاباة من يتمتعون برضا المسؤول عليهم، بعدين في نص المقال صاير لي شاعر، انت قريت عدل شعرك اللي كاتبه؟" رد بوراشد "نعم انا اشوف مافيه شي، يعني شقلت انا؟" قال رئيس التحرير "وتقولي شقلت خلني اقرا لك اول شطرين وركز معاي وبتعرف شقلت" رد بوراشد مسرعا "قول اشوف"، قال رئيس التحرير "تقول في قصيدتك اللي ما ادري من وين جايبها (ان حبتك عيني لا تجزع، او تخشى شيء او تهلع، ولا تعمل ابدا او تبرع، فقط صرت فرع من الافرع) ها تبيني اكمل الباقي والا اتضحت لك الصورة"، مرت الأبيات الشعرية على مسمع بوراشد وكأنه يسمعها لأول مرة فقال متلعثما "ها، انا كاتب هلكلام؟، تصدق وقع سماعه على الأذن غير عن كتابته، السموحة طال عمرك شكلي كان لازم أراجع المقال وأقرأه بصوت عالٍ قبل ما أنشره وجزاك الله ألف خير على تنبيهك وحرصك"، ابتسم رئيس التحرير وقال لبوراشد "شكلي خضيت بطنك (أي أفزعتك)؟ عين من الله خير مابه الا الخير، انت تدري انا احنا في دولة والحمد لله أعطت المواطنين حقوقهم في التعبير وإبداء الرأي وبل بالعكس حكومتنا الرشيدة تساند وتدعم وتسمع وما تقصر في العمل على تحقيق طموحات المواطن وتذليل العراقيل والصعاب بقدر استطاعتها، وأعتقد أنه من الطبيعي أن أي مسؤول يتعين في منصب حساس يسعى أولا إلى تقديم الأفضل وعلشان يعمل هذا لابد انه يبحث عن من يثق في صلاحهم وقدرتهم على تحمل المسؤولية ومساعدته في حمل عبء الأمانة التي وضعت في رقبته لأن يد وحده ما تصفق يا بوراشد". سكت بوراشد قليلا بعد سماعه وجهة نظر رئيس التحرير ثم قال "كلامك كله صحيح طال عمرك، لكن هذا مب معناته ان الامر اللي أتكلم عنه غير موجود وإنه مافيه ناس اسأت للثقة التي وضعها المسؤولين فيهم واستغلوها لخدمة مصالحهم الخاصة" رد رئيس التحرير "مابه شكه (أي بلا شك) يا بوراشد وهذه الفئة موجودة في كل دول العالم وتعاني منها جميع المجتمعات البشرية واعتقد ان اول من يعاني من هذه الفئة هو المسؤول نفسه، ولكن نسب تواجدها في مجتمعات العالم المختلفة تتفاوت، واعتقد انك تتفق معاي ان هؤلاء نسبتهم في مجتمعنا اقل من مجتمعات عالمية كثيرة وكذلك تأثيرها على الوطن والمواطن محدودة، خصوصا بوجود الأجهزة الرقابية اللي ما شاء الله قايمه بدورها بشكل مميز وواضح للعيان". استمر الحوار والنقاش وتبادل وجهات النظر بين بوراشد ورئيس التحرير لوهلة من الزمن، وفي الأخير قال رئيس التحرير "بصراحة يا بوراشد انا واياك متفقين في جوانب كثيرة وقد يكون الاختلاف فقط في طريقة العرض، فحرية الرأي عندنا والحمد لله دستورية ولا حد يقدر يلجم الافواه ولكن في المقابل يجب على هذه الافواه ان تتكلم بالعقل وتكون حكيمة في الطرح لتحقيق المصلحة العامة واللي هو هدف كل مواطن صالح، وكذلك ياخوي كما أن هناك فيه حرية رأي هناك أيضا ضوابط لهذه الحرية حتى لا يصبح فضاء الرأي والتعبير فوضى يُثار من خلالها الفتن وتنتهك فيه الحقوق والخصوصيات الشخصية بداعي الحرية". انتهت الحلقة النقاشية التي دارت بين بوراشد ورئيس التحرير وتم نشر المقال بالفعل في اليوم التالي، وحاليا بوراشد ورئيس التحرير يقضون وقتا ممتعا سويا ويلعبون "اونو" كل ليلة في قهوة الصيادين. @drAliAlnaimi