01 أكتوبر 2025
تسجيلمنذ اليوم الأول لاندلاع الثورة السورية، ناصبَ النظام الإيراني والأنظمة والقوى المرتبطة به في المنطقة العداء لها، وقدموا بالمقابل ـ ومازالوا ـ كل صنوف الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني لنظام الأسد، وهو ما تسبب ـ بجانب الدعم الروسي ـ إلى إطالة عمر الأزمة، والتسبب في إدخالها في تعقيدات كبيرة، ورفع فاتورة الخسائر في صفوف المدنيين بما في ذلك الزيادة في عدد النازحين واللاجئين، وتدمير البنى التحتية للبلاد، والخشية من تقويض هياكل الدولة بصورة كاملة. ولم يكن ذلك مستغربا من نظام شعر بين عشية وضحاها أن مشروعه بكل طموحاته على مستوى التمدد الإقليمي والمذهبي في المنطقة، يمكن أن يكون مهددا، بسبب ربيع الثورات العربية بصفة عامة، ورحيل نظام الأسد الذي سيحطم له أحد الأذرع المهمة في هذه المعادلة، ويدّمر فاعلية خط نفوذه الإقليمي، الممتد من طهران مرورا ببغداد فدمشق وصولا إلى الضاحية الجنوبية. ولكن ما هو مستغرب هو غياب الرشد السياسي لدى هذا النظام الذي قبل الرهان على حصان خاسر من جهة، وتكبد الكثير من الخسائر على مستوى علاقاته بشعوب وأنظمة المنطقة، بسبب هذه النظرة العاجلة والقاصرة، التي تفتقر للحكمة وبعد النظر، وترتبط بالانغلاق المذهبي، والتعصب الطائفي من جهة أخرى. التصريحات التي صدرت عن المسؤولين وآيات الله في إيران، ورئيس الوزراء العراقي المالكي وبعض وزرائه وقيادات حزب الله بلبنان كانت ومازالت تعزف على نفس الوتر، وتكرر نفس الكلام المموج، سواء على مستوى التهديدات والوعيد بإحراق المنطقة وإدخالها في حالة من الفوضى إن سقط أو أسقط الأسد، والتخويف من حرب طائفية ليس في سوريا فحسب، وإنما تمتد لتصل إلى العراق ولبنان والأردن، أو الحديث عن المؤامرة الكونية على سوريا وخط الممانعة، أو اتهام المعارضة السورية وثوارها بالعمالة للخارج والتشكيك بها، والتهوين من عزيمتها، واتهام دول المنطقة كدول الخليج وتركيا بالمشاركة في مخطط خارجي، وصولا إلى الوصاية على سوريا والتأكيد على أن الأسد باق حتى 2014، وكأن سوريا صارت ولاية إيرانية، والأسد ليس سوى محافظ لدى نظام طهران. لقد خسر النظام الإيراني الكثير من الأمور بسبب هذا الدعم الأهوج لنظام دمشق، وتنتظره خسارات كبيرة، على المدى القريب والمتوسط والطويل الأمد، وهاكم بعض هذه الخسارات: ـ خسر شعبيته الكبيرة وصورته الذهنية لدى الشعوب العربية التي كانت تعتقد أنه والنظام السوري وحزب الله هم تيار مقاومة فعلا، بينما تبين زيف هذه الصورة وانفضاح الحقيقة، فالدعم الذي قدّم مؤخرا لمنع سقوط الأسد في مواجهة شعبه، كان الأولى ومنذ عقود تقديمه لاسترجاع الجولان المحتل قبل 46 عاما، والصورايخ الإيرانية التي كانت لدى حزب الله لم يطلق منها صاروخ واحد ضد إسرائيل أثناء العدوان الصهيوني الأخير على غزة. إن القوة التي لديهم ليس للوقوف إلى جانب المظلوم ضد الظالم، أو للوقوف إلى جانب أصحاب الحق، وإنما لتحقيق مصالحهم الضيقة على حساب مصلحة الأمة الكبيرة..هكذا فعلوا في مساندة الأميركان لاحتلال أفغانستان، وفي مهادنتهم لهم في العراق، فدخل الموالون لهم على دبابات الشيطان الأكبر، حتى تمكّنوا من السيطرة على مقدرات هذه البلاد، وهو مافعلوه في تكوين ميليشيا طائفية في لبنان تحت عباءة المقاومة، وهو ما لم ينتبه لها الكثيرون لخطورته، إلا بعد أن أشهرت هذه المليشيا سلاحها فيما بعد ضد أبناء لبنان قرب مطار بيروت وغيره، وضد أبناء الشعب السوري منذ عامين، ولا تزال هذه القوة تستخدم لاحتلال الجزر العربية التابعة لدولة الإمارات العربية، ثم في السعي الدؤوب لإثارة الفتنة في البحرين، أو وتسعير الحرب الأهلية في اليمن. ـ إن الحرب الأهلية والطائفية التي يسعرّون نارها، ويخوّفون الناس من لهيبها، قد تقع فعلا إذا ما خرجت الأمور عن السيطرة، واستمر المجتمع الدولي في عدم الأخذ على أيدي الصفويين الجدد، أو تأخر في دعم الجيش الحر والثورات العربية، تحت حجج ومبررات واهية، وإذا ما وقعت هذه الحرب لا قدر الله، فإن النار التي يشعلونها ستحرقكم وتزلزل الأرض تحت أقدامكم،لأنهم أكثر طغيانا من أن يستمعوا لنصح الناصحين، ولن تكتفي بالتهام من يخوفونهم فقط. كان الأولى بالنظام الإيراني لو كان يتمتع بشيء من الرشد والعقلانية والحكمة أن يبني علاقة سوية مع الشعوب العربية، وأن يتقبل خسارة الأنظمة التي تواليه من أجل ألا يخسر الشعوب، فالشعوب هي الباقية والأنظمة إلى زوال، والحق هو الذي يمكث في الأرض، وأما الباطل فهو الزبد الذي يذهب جفاء... والحديث عن الخسارات الأخرى طويل. وصدق الله العظيم: "فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور".