13 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ سنوات قرأت في احدى الجرائد العربية خبرا كان مدرجا ضمن الأخبار الطريفة، عن الرجل الذي باع قصره الثمين ليشتري بثمنه زهرة توليب واحدة نادرة كي يقدمها هدية لمن يحب.. وأذكر أن الغالبية ممن قرأ هذا الخبر ممن عرفتهم وصفوا ذلك الرجل بالجنون المؤكد، بينما لم يصدق بعضهم ذلك وإنه نوع من الأكاذيب لجذب انتباه القارئ أو تسليته. ومنذ فترة كنت في زيارة لاحدى الدول الأوروبية، فاتصل أحدهم بسائق السيارة العربي الذي كنا نستأجره، كي يطلب منه أن يذهب لأحد محال الورد ليتسلم طلبا لباقة تضم إحدى وثلاثين وردة حمراء، ويقوم بتوصيلها إلى زوجة الرجل في المنزل، كهدية لها بمناسبة ذكرى زواجهما الذي يصادف هذا اليوم، أما عدد الورود الحمراء فهي بعدد سنوات الزواج التي أمضياها معا. وافق السائق على القيام بهذه المهمة مبتسما ومباركا، لكنه ما أن أنهى المكالمة حتى بدأ في التندر على الرجل الذي ما زال يعيش على وهم الرومانسية، وعلى جنونه بمشاركة من في السيارة، ووجدتني أتألم في داخلي على الرومانسية الضائعة، وعلى الحب الذي أصبحت ترجمته فكاهة، وصاحبه مجنون. فهل انتهى زمن الرومانسية، ولم تعد كلمات (الأطلال) تؤدي لنفس طريقها السابق في القلوب؟، أم انها ما تزال موجودة حتما، لكنها اختنقت وبدأت تتلاشى وتضيع لأسباب كثيرة، وأثر فيها كل ما طرأ علينا من تغيرات حياتية؟ ومن هو المسؤول عن انحسار الرومانسية أو قرب انقراضها، أهو الرجل أم المرأة، أم الرجل والمرأة معا؟ لو كنت قد كتبت هذا المقال قبل سنوات قليلة فقط، لكنت قد أحمل الرجل تلك المسؤولية كاملة، وأطرح عليه هذا السؤال وأقول له، لماذا ينسى غالبية الرجال أن يقدموا ولو وردة واحدة فقط خلال سنوات حياتهم مع شريكاتهم، لا يهم وإن كانوا اقتطفوها من شجرة في منزلهم، لكنهم فقط يفكروا في التعبير عنها كحب وامتنان لمن تشاركهم الحياة. فمع ان بعض الرجال بلا شك قد أصبحت لديهم أمورهم ومشاغلهم التي تستهلك تفكيرهم وحياتهم من أجلها وتأخذهم من لحظة الرومانسية، إلا أنني اليوم اشعر بأنني ألقي اللوم كثيرا على المرأة أيضا، وأحملها الكثير من مسؤولية ضياع الرومانسية، فبعض النساء اليوم أصبحت أطماعهن أكبر كثيرا من مجرد وردة أو كلمة حب، ولأن بعض النساء اليوم لم يعدن يقدرن الوردة ولا صاحب الوردة، ولم يعدن يقدرن الأشياء الصغيرة ذات المعاني الكبيرة. فحياة الحرية والاستقلالية التي تركض وراءها بعض النساء، هي من جعلت الجمود يغزو حياتهن، ويتغلغل في مشاعرهن، ويجعلها أقسى من الثلج. إننا رجالا ونساء نحتاج للعودة للحظة الرومانسية التي فقدت بريقها بسببنا، تلطف ما بداخلنا من جمود وتآكل. نحن في حاجة أولا لأن تخفض المرأة من صوتها، وتعود لتلبس فستانها الحريري الوردي، وأن تتذكر بأنها أنثى، ونحن في حاجة لأن لا يهمل الرجل بانشغاله صوت الطفل الذي يتوق للحظة الرومانسية داخله. هناك لحظات تفتقد أحيانا لمن يقدرها، هي حقيقة في داخل كل البشر، وإن لم يظهروها لأي سبب، هي لحظات نفتقدها أحيانا بشدة، نحتاجها ولو لدقيقة واحدة فقط تكسر ما بداخلنا من هموم، قد يكمن كل عمقها في نظرة حب أو كلمة أو وردة. وأعود أسأل بأسف مرة أخرى عن الرومانسية.. هل تعود؟ [email protected]