19 سبتمبر 2025
تسجيللغة التعليق أو النقد أو المطالب الشعبية لإصلاحات في الخليج العربي بدت خجولة أو بالأحرى خائفة أو مترددة، ومع تطور وسائل الإعلام والنشر الإلكتروني من منتديات ومدونات ومواقع خاصة تطور وضع المطالبات لتتخذ وسيلة شعبية أجرأ لنقل الرأي العام، قد تكون لدى البعض صريحة وجريئة وواضحة ولكنها لدى الغالبية العظمي تنشر أو تدون في تخوف سواء اتخذت لغة موضوعية أو لغة هجومية، فالبعض في النشر الإلكتروني يستخدم اسمه الحقيقي والبعض يكتفي أو يتخفى وراء رموز أو كنى أو ألقاب حيث لا يزال جدار الخوف غير منهزم كليا لدى الشعوب التي باتت تخشى صراحة الكلمة أمام الخوف على الرزق أو تتبع الجهات المسؤولة لهم ومغبة ذلك وفق النظام المتبع في كل دولة. ولو عدنا الى التسلسل التاريخي لوجدنا أن لغة المطالب نحت أيضا قبل ذلك الى وسائل الإعلام التقليدية لتجد لها متنفسا للتعبير في الصحف الملحية في كل قُطر خليجي بشكل أو بآخر، أو في البرامج الحوارية أو برامج الهواء في الاذاعات والقنوات التلفزيونية المحلية ولكن على استحياء، بعض المطالب او الشكاوى فردية ولكنها مؤشر على حالات جماعية، وبعض المطالب قد ينسحب عليها حال الأغلبية، أما الأخرى فتكاد أن تكون حقا ظواهر عامة، المهم في كل هذا وذاك ان بعض الدول الخليجية قد تفتح بابا أو نافذة لسماع الرأي ووصول الأصوات وقد توصده بعض الدول، وليس المهم فتح الوسيلة الإعلامية فحسب فقد تتخذها بعض الدول وسيلة للتنفيس الشعبي فحسب ذرا للرماد في العيون وأفيونا أو تخديرا للشعوب وتعلم الشعوب عدم جدواها في صدى "عجزنا ان نقول ولكن من يسمع؟" أو على حد البيت القائل: لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي، وقد تعير بعضها ما ينشر أو يذاع أو يبث اهتماما في تقارير يومية او دورية ترفع لأهل الحل والعقد في كل بلد لتجد طريقها الى البحث والحل أو التقييم لأداء الحكومة ومستوى الخدمات أو الحقوق أو الرضا والسخط عنها طلبا للتقويم والتعديل والدفع بالحقوق والأوطان نحو التطور والتطوير وهذا هو عين الصواب. ولكن الشعوب الخليجية في ظل المرحلة الراهنة التي حققت فيها كل دولها نماء متطورا ورخاء اقتصاديا تدر عوائد النفط فيه على بلدانها الخير العميم الذي تطور على أثره فيها — بدرجات متفاوتة بين دولة وأخرى — التعليم والخدمات والاستثمارات الصناعية والمالية وفتح آفاق الثقافة وحرية البحث والإعلام، إلا إنها مع كل المعطيات الفكرية لا زالت تحت هاجس رقابة الذات الذي يجد الإنسان الخليجي غضاضة في الإدلاء بدلوه فيما يخص الشأن العام، وكأن قرينه — قسرا — يروض الكلمة قبل خروجها منه، بل يعنفها أحيانا أو يكبتها حفاظا على روح صاحبه إن صح لنا التعبير على قاعدة خاصة للقرين في علم الأرواح وكشف المستور هي "إني أرى ما لا ترون". لذلك درجت مطالب الشعوب الخليجية أن تكون خجلى وهذا عذر بل خائفة وهذا عيب أو منقادة وهذا نفاق أو صاغرة وهذا ذنب تؤثم عليه إذا كانت في الحق. وإذا كان السكوت عن الحق ذنبا فإن هذا لا يعني في المقام الآخر اننا كشعوب نؤمن بالفوضى لإحقاق الحق سواء كانت فوضى خلاقة أو هدامة لأن هذه المصطلحات لعب على أوتار الكلمات لا تجري مغبتها علينا، فالفوضى لغتها واحدة لان حتى الخلاقة منها قد تنتكس بوضع الأمم إلى فوضى مدمرة لا تتوازى عواقبها الوخيمة مع حجم المطالب التي شرعتها. بمعنى هل نوافق نحن كشعوب خليجية في ظل أنظمة آمنة تقود تغييرات ملحوظة إيجابية في دولها وتنزع نحو المشاركة الشعبية على تعريض أمن وسلم أوطاننا للخطر من أجل مطالب متضمنة في الدستور نصا وممكنة التحقيق حوارا؟ حقيقة لست أجد في بعض دعوات الفيس بوك الثورية للميدان جدوى في بعض الدول التي تحمست تأثرا بثورات مصر وتونس وليبيا مقارنة بوضع دولها الآمنة في سلم ورخاء. ولن نكون معنا، اعني مع أنفسنا كشعوب ليس في ما نطلب، فالمطالب مشروعة، بل في طريقة ما نطلب، ولا مع الحكومات لأننا ببساطة لا نرضى بسطحية التحليل او عموميته اعتمادا على المؤشرات كما جاءت في مجلة "الايكونوميست" البريطانية التي نشرت Chart Index في ظل مقارنة التوتر الشعبي والتصعيد ومستواه في منطقة دول الشرق الأوسط الذي تحكم احتمالياته معايير أو مؤشرات متعدده نشرتها المجلة في فلم قصير "The Economist Weighted Index of Unrest in the Middle East"على اليوتيوب يوم 21 فبراير الماضي على الرابط http://www.youtube.com/watch?v=P30s4 — 94C1A&feature=youtube_gdata_player وهي: 1 — مدة حكم رئيس كل دولة. 2 — عدد السكان "المواطنين في كل بلد". 3 — عدد السكان الشباب نسبة الى العدد الكلي للمواطنين في كل بلد. 4 — قيمة دخل الفرد GDP. 5 — مستوى تحقق الديمقراطية والتمثيل النيابي. 6 — مستوى الفساد. 7 — مستوى الحريات الإعلامية. ولكن مع هذه المسلمات المحددة سلفا وفقا لمعايير دولية واختلاف ما ينسحب على بلد عنه في آخر بمعايير كثيرة فوق ما ذكرت، فإن ذلك لا يعني ان الشعوب حتى في دول أعلى القائمة تتمتع بذات الرخاء او الحقوق المسطرة في التقارير الدولية سواء في تقارير الشفافية أو الفساد أو الحريات الاعلامية أو المشاركة الديمقراطية وهذا جزء مما جاء في تحليل المجلة أيضا. ولكن مع إيماننا بان الحل في بقعة ما لا يكمن دائما في الثورة، وإيماننا بان حلا آخر لا يمكن ان يتأتى إلا بثورة، الا اننا نرى ان العالم وإعلامه صدم أن شعوب منطقة الخليج — عدا المناطق التي فيها طوائف متعددة — لم يكن يتوقع ان تصدر منها حركات او مطالبات او دعوات ثورية ميدانية. لأن المحلل الدولي الراصد عن بعد لم يعش الواقع ولم يدرِ ما معنى رخاء المواطن مقابل رخاء الوطن او مقياس دخله القومي وثروته أو حتى مستوى دخل الفرد فيه مقابل مستواه في الواقع. ما لم ينسحب على دول الخليج من ثورات دول الشعوب التي رزحت قسرا تحت الفقر أو تفاوتت إمكانات مثل مصر وتونس واليمن، وثورة الشعب الليبي الشجاع على "مدمر" الدكتاتوري الأرعن في بلد نفطي غني حجب حقوق الشعب، لا بد وان يكون على الأقل مؤشرا أو درسا تستفيد منه كل الدول العربية وان طاشت كفة تقاريرها الدولية علوا او انخفاضا. القضية اليوم هي قضية تحول تاريخي في فكر الشعوب التي لم تعد تستمرئ حكومات إملاء وما تأثرت به الجمهوريات بدأت شرارته تقف على بوابة الملكيات، فكر الشعوب بات يعمل العقل في ضرورة مشاركة العقول في تدبير دفة أمور الوطن خصوصا ان الشعوب جربت إيصال أصواتها عبر القنوات الطبيعية والرسمية في الإعلام ولجأت الى الأساليب الحديثة التي فتحت أفقا آخر في الانترنت والتي قد تحتاج الى تجنيد كادر جديد في كل وطن لا ليحجم الرأي أو يلجمه بسياط لأن ذلك ضد تيار الثورة التكنولوجية وموجتها العارمة وليس الشعبية فحسب، بل كادر سياسي مثقف يحلل كل ما يكتب من أفواه او رؤى كسرت حاجز الصمت أو تمردت على القرين "كما أسلفنا"، لأن عصارة الفكر هذه هي المؤشر الحقيقي لما يريده الرأي العام. وفي ظل كل ذلك فالثورات تعطي مؤشرا بأن الشعوب تريد الحوار وتؤمن قبل ذلك بأن آخر الدواء الكي لذلك تصرخ في بعض الدول "أين الطريق؟" وهي تعني "جادة الحق" لوصول المطالب في ظل تهميش مطالب الشارع وأزقة العصر الحديث "الإلكترونية"، وتحت سياسية الأبواب الموصدة او نصف المغلقة. كاتبة وإعلامية قطرية Twitter: @medad_alqalam medad_alqalam @ yahoo.com