19 سبتمبر 2025

تسجيل

باكستان.. انتخابات بلا عمران خان (1 - 2)

06 فبراير 2024

أيام تفصلنا عن انتخابات حامية الوطيس في باكستان المقررة في الثامن من فبراير الحالي، لتفرز لنا برلماناً فيدرالياً وأربعة برلمانات محلية، تدير الأقاليم الباكستانية الأربعة، والتي تشكل أكثر من ربع مليار نسمة، لكن هذه الانتخابات تجري في ظروف داخلية وإقليمية ودولية صعبة للغاية، لاسيما مع الفجوة التي حصلت بين العسكر الذين حكموا البلاد لأكثر من نصف عمرها، إثر توتر العلاقة مع زعيم حزب الإنصاف عمران خان الذي أُقيل عن الحكم، ثم سجنه وإدانته، وهو التقليد الغالب في الغالب بين العسكر والسياسة على امتداد تاريخ باكستان، بأن يسبق إقالة أي رئيس وزراء منتخب توتر في العلاقة، ثم حرمان من العمل السياسي يصحبه النفي والإبعاد غالباً، ربما باستثناء حالة عمران خان الذي كان من نصيبه الحرمان من المشاركة السياسية مع السجن. ● عمران خان.. الغائب الحاضر الحكم على زعيم الحزب عمران خان بالسجن لعشر سنوات مع وزير خارجيته سابقاً شاه محمود قريشي بتهمة تسريب وثائق تخص أمن الدولة، أثار حفيظة المؤيدين والمتعاطفين مع الحزب، وزاد من الشقة بين الحزب الممثل للطبقة الشبابية وبين الدولة العميقة الممثلة بالعسكر، لاسيما وأن هذه هي المرة الأولى في تاريخ باكستان التي يتهم فيها رئيس حكومة بتسريب وثائق تخص أمن الدولة. وكان عمران خان ووزير خارجيته قد سرّبا للعلن برقية واردة من السفير الباكستاني في واشنطن تفيد بتهديد حكومة خان، مما أدى إلى إقالته وتنحيته عن السلطة، وبدأ على إثرها يروج عمران خان وجماعته أن الجيش أزاحه عن السلطة بأوامر أمريكية، ونظراً لرواج نظرية المؤامرة وتحديداً فيما يتعلق بالتدخلات الأمريكية في باكستان التي خبرها الباكستانيون على مدى تاريخهم القصير، فإن تصريحات خان قد لقيت رواجاً، وقبولاً، خاصة وسط الشريحة الشبابية، فانتشرت كانتشار النار في الهشيم. ربما لو لم يتم تسريب الوثيقة، فإن مسألة قبول التورط الأمريكي في إزاحته لن يكون بالمستوى الذي حصل بعد تسريب الوثيقة، فقد سبق أن اتهم غالبية رؤساء وزراء باكستان السابقين ومن بينهم نواز شريف وبي نظير بوتو أمريكا بتنحيتهما عن السلطة، حين أقدم الجيش على ذلك. ولا زلت أتذكر حين قالت لي بي نظير بوتو في مقابلة صحفية، بعد إقالتها الثانية في عام 1998، إن من أقالني شركة يونوكول الأمريكية، وذلك لتفضيل بوتو يومها شركة بريداس الأرجنتينية على يونوكول في الحصول على مشروع مد أنابيب الغاز من تركمانستان إلى باكستان والهند عبر الأراضي الأفغانية. وبعد أيام على هذا الحكم بالسجن لعشر سنوات، أُضيف إليه سجن لـ 14 سنة مع زوجته بشرى، وذلك بتهمة بيع هدايا تلقاها من رؤساء دول، وهو الأمر الذي يعارض القوانين التي تحكم مسلكيات كبار رجال الدولة. حرمان عمران خان من العمل السياسي، وسجنه لعشر سنوات قد يدفع الكثير من الناخبين الباكستانيين إلى التصويت له، خاصة وسط الشريحة الشبابية التي ترى في إقالته وحرمانه ثم سجنه ظلماً واضحاً له، ولذلك لا يستبعد البعض أن يحقق نجاحاً في الانتخابات، بينما تتخوف شريحة منهم من عمليات تزوير للانتخابات، وهو ما قد يزيد من التوتر السياسي والاجتماعي في البلاد، مما سيلقي بتداعيات سلبية على البلاد ومستقبلها. ● المعركة الانتخابية بين شريف وبوتو في الثامن من الشهر المقبل يتنافس 19 مرشحاً على المقعد النيابي الفيدرالي أو المحلي الواحد، وهي أعلى نسبة في تاريخ الانتخابات الباكستانية القديمة، فقد تنافس عام 2017 17 مرشحاً على المقعد الواحد، لتزيد بذلك نسبة التنافس عن انتخابات عام 1971 بـ 280%. المعركة الانتخابية على ما يبدو، ستكون بين حزب الشعب الباكستاني بزعامة بيلاول بوتو وزير خارجية باكستان سابقاً، ونجل بي نظير بوتو، وبين حزب الرابطة الإسلامية بزعامة نواز شريف العائد من لندن بعد حرمان من العمل السياسي لسنوات بقرار قضائي، أما عمران خان وحزبه الإنصاف المحرومون من العمل السياسي بقرار قضائي أيضاً، فيشارك في الانتخابات من خلال قائمة المستقلين، إذ بلغ عدد مرشحي عمران خان 236 المنافسين على مقاعد البرلمان الفيدرالي، فزادت نسبة المرشحين المستقلين عن الانتخابات الحالية لـ 63% بعد أن كانت 53% في الانتخابات الماضية، وقد لعب المستقلون دوراً في تشكيل الحكومات المحلية السابقة من انتخابات 2018، فكان بيضة قبان حقيقية في هذه الانتخابات. وبحسب مركز جالوب لقياس الرأي فإن نسبة دعم عمران خان تراجعت من 60% في العام الماضي إلى نسبة 57% بحسب الاستطلاع الذي صدر في العاشر من شهر يناير، بينما زادت نسبة دعم نواز شريف في نفس الفترة من 36% إلى نسبة 52%، أما حزب الشعب الباكستاني فقد تراجعت نسبة دعمه من 36% إلى نسبة 35%. نواز شريف الذي يتحدّر من اقليم البنجاب أكبر الأقاليم الباكستانية، والأكثر حضوراً في عملية صناعة القرار زادت شعبيته في الاقليم بحسب الاستطلاع من 57% إلى 60%، ويبلغ شريف من العمر 74 عاماً، وكان قد تولى رئاسة الحكومة لأول مرة عام 1990، ويبدو أن العسكر مرتاحون لعودته من لندن، لاسيما وأن التحدي الاقتصادي كبير أمام باكستان، وبمقدور شريف أكثر من غيره التعاطي معه، نظراً لخلفيته التجارية. وفي حال فوزه بالانتخابات سيكون رئيساً لوزراء باكستان، للمرة الرابعة في تاريخه وتاريخ باكستان. وسبق للمحكمة العليا أن مهّدت الطريق لعودته في اكتوبر الماضي، من خلال تبرئته لما نسبته إليه في السابق، فرفعت عنه حرمانه من التعاطي السياسي، ليعود الآن من لندن ويشارك في الانتخابات وربما يقود البلاد لخمس سنوات مقبلة. تراجعت نسبة ترشيح المرأة في الانتخابات الحالية عن الدورات الماضية، إذ لم تتجاوز نسبتها 4.77% من نسبة المرشحين، مما حرمها من بلوغ العتبة التي حددتها لجنة الانتخابات، وهي السقف الأدنى لضرورة مشاركتها كمرشحات والتي تبلغ 5%، فحزب عمران خان بلغت مشاركة المرأة فيه 8%. أما على صعيد الشريحة الشبابية التي تتراوح بين 18_ 25 سنة فقد تراجعت النسبة بين مشاركة 19% في انتخابات 2018، إلى مشاركة حزب الإنصاف مثلاً بنسبة 17% من الشباب، أما حزب الشعب فكان أعلى منه حيث بلغت النسبة 18%، لتتراجع نسبة مشاركة شباب حزب الرابطة الإسلامية بزعامة نواز شريف إلى 13% فقط.