31 أكتوبر 2025

تسجيل

مصدر الخوف على الهوية

06 فبراير 2023

الخوف على الهوية العربية من الخارج خوف مبالغ فيه، وعقد المؤتمرات والندوات لتدارس ذلك، خطأ في التوقيت وفي الاتجاه. التدفق الآسيوي عمره لم يشكل خوفا على الهوية ولا على ابعادها ما لم ينبع ذلك من جوفها، مصدر الخوف داخلي في اساسه. ليس هناك اكثر من تدفق الهجرة الاسيوية والافريقية على اوروبا، ولم يكن هناك استشعار للخوف على تلك الهوية من الضياع، الخوف كله يتركز على الاخلال بمعدلات الاقتصاد كالتوظيف والبطالة. فالهوية كهوية هناك محصنة ومن احتواها لا يخرج عنها، ولربما هناك خوف على بعض الفرص الاقتصادية وشتان بين الامرين وطريقة معالجتهما. ما نعاني منه في الخليج هو خوف من نوع اخر، خوف على الهوية من الذوبان والاختفاء، فهي غير محصنة ذاتيا بشكل قد تبدو اليوم هوية وغدا غير ذلك، ومصدر ذلك الداخل وليس الخارج وتهديداته. استشعار الخوف على اللغة جزء من الخوف على الهوية ولكن اللغة العربية فيما اعتقد رغم تراجعها الا انها محصنة حيث انها مصدر لأكبر الاديان انتشارا في المنطقة، فالخوف عليها خوف طارئ وفني وليس ثقافيا وأبديا، لذلك في اعتقادي ان الخوف على الهوية العربية والخليجية بالذات امر بالإمكان التعامل معه داخليا ولا يرتبط بأي ابعاد خارجية ولا يشكل الخارج اي تهديد الا بمقدار ما يمثله قصور الداخل في ذلك. فالقضية داخلية في الاساس وبالتالي يجب التعامل معها انطلاقا من ذلك وبعدة معايير. اولها: ارساء المواطنة واستشعار المواطن العربي والخليجي بها وانها ليست عملية طارئة تمسي وقد لا تصبح كما في اليانصيب، هذا الشعور ليس مؤكدا لدى المواطن العربي فهو في شك منه كبير، فهو قد يمسي مواطنا ويصبح غير ذلك وغير مرغوب في وجوده. ثانيا: ضرورة ايجاد الدساتير الديمقراطية الحقيقية التي تصون المواطنة وتعلي من مقدار أصحابها وحقهم في ارضهم وإزالة رداء الخوف المتمثل في منهج الرعاية البديل للمواطنة وان اخذ بامتيازاتها شطرا من الدهر الرعاية التي وان طالت فانها غير مضمونة لعدم استمرار المصلحة من المرعى «الذي يجري رعايته» وان طال به الامد فهو اداة استهلاكية دون دستور حقيقي يحميه. ثالثا: اعادة الاعتبار لقضايا الامة الكبرى التي يمثل فيها المواطن اساس التحرك والانتماء والمقاومة. ان تحويل مثل هذه القضايا الى قضايا ثنائية نخبوية تخدم فصيلا دون اخر اضر بالمواطن وبالاوطان وأضاع حقوقهما وبالتالي اضعف هويتهما في مقابل تضخيم هوية الافراد الزائلين. اين القضية الفلسطينية مثلا ألم تتحول الى قضية فتح وحماس؟ اين قضية التنمية ألم تتحول الى قضية انظمة تبحث عن مصالحها الذاتية؟ بل اين قضية الأمية ألم تتحول الى اجندة للتسويف ؟ وبعد ذلك نتكلم عن الغزو الآسيوي مثلاً لهويتنا واستباحتهم لثقافتنا وعن غزو اللغة الانجليزية المنطلقة من هوية ثابتة مرتكزة على مواطنة حقيقة يلجأ إليها الهارب من تشظي الهويات ومصادرتها في عالمنا حيث الراعي والقطيع. اتهام الغير بغزونا ثقافيا ضعف ما بعده ضعف وافقار ذاتي ما بعدة افقار، المعالجة تنبع من الداخل الهوية الخائفة لا تنتج الا مجتمعا خائفا، فالهوية العربية والخليجية هوية تعاني من الخوف الداخلي وجور الداخل وليس من الخارج وتأثيراته هي خائفة من سحب البساط من تحت ارجلها في اي لحظة حيث لا دستور يحميها ولا قضاء يسترها. فالآسيويون من تهديدنا براء واللغة الانجليزية من غزونا براء والخوف كل الخوف ينبع من داخلنا حيث فقر التجربة التاريخية وسيطرة النخب على حساب الأمة.