12 سبتمبر 2025
تسجيللا أتخيّل كمّ النفايات الطبية والنفايات المتراكمة من كمّ البضائع المنتجة والمستوردة حول العالم من عبوات بلاستيكية وعطورات زجاجية وأغلفة من النايلون والبوليستر وغيرها.. يُمكنك أن تدخل إلى أي مجمع تجاري، والنظر إلى كمّ الملابس الهائلة المُصنعة والموجودة في قسم الخصومات والمُعاد طرحها في الأسواق البديلة، أو ادخل إلى أي متجر كبير وانظر إلى كمّ العبوات البلاستيكية والزجاجية للمنتجات الغذائية وغيرها. نظرة سريعة حولك في المنزل، تجعلك تُدرك عدد العلب الكرتونية المُهملة لأجهزة كهربائية فيها عدد من الكُتيبات الورقية. تلمّس قميصك واحصِ عدد الأوراق الموجودة بداخله، والتي توضح بمختلف اللغات كيفية غسل هذا القماش أو ذاك. كم ورقة قطعت مرّات ومرّات. هذا في كفّة.. والتلوث الناجم عن المصانع الضخمة التي تنتج الملابس والمنتوجات الكهربائية والكمالية، ونسبة التلوث الناجمة عن معامل النفط والغاز، والصناعات البتروكيميائية، وعدد رخص القيادة التي تصدر للسائقين كلّ عام، حيث يُزين كلّ منزل لا يقلّ عن سيارتين أو ثلاث، مصادر التلوّث اليومية المحيطة بنا لا حصر لها. نستخدمها مُكرهين ونستنشق الهواء الملوّث الذي تتجاوز نسبة تلوّثه المعيار المُحدد من قبل منظمة الصحة العالمية، والتعب والخمول والكسل الذي نشعر به بسبب نقص الأوكسجين وارتفاع نسب ثاني أوكسيد الكربون، ومراجعة المستشفيات والعيادات دون سبب واضح، ودون شفافية من مقدّمي الرعاية الصحية الذين لا يريدون الاعتراف بهذه الحقيقة ويُصرّون على تجاهلها، رغم الأرقام التي يُمكن لأي فرد "أُميّ" الاستدامة، أن يقرأها عبر التطبيقات المخصصة لجودة الهواء وغيرها من التقارير والدراسات. وبدلًا من إلزام الشركات الكبيرة بمسؤوليتها في الحدّ من إنتاج الألبسة التي لا داعي لها واستيرادها، وزجاجات العطور ومساحيق التنظيف والتجميل وغيرها، والكماليات المغلفة بأوراق من النيلون والعبوات البلاستيكية وأغلفة الأجهزة الكهربائية، وإلزام هذه الشركات باعتماد طرق أخرى دون التسبب بمزيد من التلوث وتمويل البحوث التي تبتكر أغلفة مستدامة، تفرض المتاجر الاستهلاكية على الأفراد الذين يتبضعون احتياجاتهم اليومية، دفع ثمن الأكياس المستدامة والصديقة للبيئة، ومن ثم وفي "مسخرة بيئية" حقيقة، تطبع هذه الشركات وصلاً ورقياً تعطيك إيّاه لتتمكن من استبداله بكيس ورقيّ آخر. ما يعني أنك تدفع ثمن كيس ورقيّ لتوفير الأكياس، وتأخذ مقابله أيضًا ورقة من شجرة مقطوعة! كّل ذلك تحت شعار خطوة بسيطة تصنع الفرق، وفي ذلك تلاعب بعقل المستهلك، وتحايل عليه من الشركات التجارية، التي تتخذ من الاستدامة تجارة، لأن المُستهلك نفسه الذي يلتزم بالكيس الصديق للبيئة، لا يلاقي أي خطوات فاعلة وإيجابية وهادفة ومؤثرة من الشركات المنتجة للتلوث نفسه. فهذه الشركات ستوفر في ميزانية شراء الأكياس وستزداد أرباحها، وكلّ ما تقوم به هو عقد مؤتمرات وتمويل ندوات لباحثين ومتحدثين باسم الاستدامة. عندما تُغرّم هذه الشركات وتدفع غرامات ومخالفات باهظة، وعندما يُصار إلى إعادة دراسة سياسات الإنتاج والاستيراد والتصدير، وعندما تُلزم هذه الشركات قانونيًا بخفض عدد منتجاتها، أو وقف صادراتها، حينها فقط حدّثوني كمستهلك عن شراء "كيس" ورقيّ صديق للبيئة في كلّ مرّة أرغب بها بشراء خَسّة خضراء في بلاد صفراء.