13 سبتمبر 2025

تسجيل

«زارقني وازارقك»

06 فبراير 2022

هناك مثل او مأثور شعبي طالما كنت اسمعه في احاديث «شيبانا» رحمهم الله تعالى، والذين دائما لا تخلو احاديثهم من الحكمة والموعظة والعبرة، والتي تناقلها الآباء والاجداد جيلا بعد جيل، ويقول المثل «قال زارقني وازارقك قال الا فارقني وافارقك». والحكمة المستفادة من هذا المثل هو الابتعاد عما يكدر الصفو اوعن كل من يمكن ان يسبب لك ضررا ما. وفي اللهجة المحلية الشعبية يقال «زرقه مع ثيابه» أي مسكه بقوة من ثيابه، وعادة يكون «الزراق» للهارب فيقال مثلا «ازرقته الشرطة» او «زرقته قبل ما يشرد» أي امسكت به قبل ان يستطيع الهرب. ولعل من اهم دلالات هذا المثل هو الحث على الابتعاد عن الأمور التي يمكن ان تجلب المشكلات «وعوار الراس» للإنسان، ويمكن القول ان هذا المثل يتناغم بصورة ما مع المثل المصري الشعبي المشهور «ابعد عن الشر وغني له». ولا يختلف اثنان على ان ثورة التكنولوجيا الرقمية التي نعيشها جعلت من العالم قرية صغيرة يستطيع أي انسان ان يتواصل مع العالم الخارجي من شرقه الى غربه بمجرد الضغط على زر هاتف المحمول، فيستطيع نشر أفكاره وآرائه ومشاركة الاخرين بهمومه وافراحه دون ان يتحرك من مكانه قيد انملة، ولذلك حرص معظم دول العالم (ان لم يكن جميعها) على سن التشريعات والقوانين المنظمة لاستخدام وسائل وشبكات التواصل الاجتماعي، وذلك للحفاظ على حرية التعبير وحماية الخصوصيات الشخصية للجميع في اطار هذه القوانين والتشريعات، ومن جهة أخرى فإن عدم الالتزام او مخالفة هذه القوانين لا شك انه يعرض المخالف الى العواقب القانونية المترتبة على ذلك. عزيزي القارئ اعتقد انك تتساءل الآن عما هي العلاقة التي تربط بين قوانين وتشريعات وسائل التواصل الاجتماعي وبين «زارقني وازارقك» أي بالقطري «وش دخل ذا بذا»، والاجابة ببساطة ان هناك أناسا لديهم هواية البحث عن المتاعب، فهم لا يستطيعون ان ينأوا بأنفسهم بعيدا عن المشكلات والملاحقات القانونية، فتراهم يوقعون انفسهم في الأخطاء والمخالفات القانونية ثم يشتكون ويتذمرون وينوحون ويولولون بعد ذلك بأنه تمت ملاحقتهم قانونيا وقضائيا، فتراهم يحبون ويعشقون ان يظهروا برداء الضحية التي أسيء فهمها او تحامل عليها الآخرون، وأنهم لم يجدوا العدل والانصاف بل انهم دائما ما يواجهون الظلم والتعسف، فترى تناولهم لقضيتهم عاريا عن الشفافية في السرد والتجرد في الطرح، وإنما ينشرون او يصرحون بأسلوب يستجدون به تعاطف المجتمع ويخفون الحقيقة الكاملة التي يعلمون ان معرفتها سوف يكشف حقيقتهم ويقلل من مصداقيتهم وبالتالي سوف يقلل عدد المتابعين. فهؤلاء في رأيي انهم يمثلون الفئة الأولى من المثل الشعبي، وهي الفئة التي يمكن ان نقول عنها انها تتعمد افتعال المشكلات والبحث عن المتاعب وكأن لسان حالهم يقول للجهات الرقابية «زارقني وازارقك»، وكأن هذه الجهات تقول لهم «الا فارقني وافارقك» ولكن دون جدوى فهم يصرون على مخالفة القوانين ويعيدون الكرة المرة تلو الأخرى. فما ان تنتهي المسرحية التي مثلوا فيها دور البطل المظلوم، واسدل الستار واطفئت الأضواء حتى يخرجوا لنا مرة أخرى بمسرحية جديدة وسيناريو جديد. وختاما أقول: ينسب للرئيس الأمريكي الأسبق ابراهام لينكولن مقولة “تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت”، فالكاذب والمدعي للحق زورا لابد ان ينكشف امره في النهاية مهما بلغت مهاراته في الاقناع وبناء الحجج والبلاغة في القول، وعندئذ تسقط الأقنعة وتنكشف الوجوه على حقيقتها وتكون المصداقية هي الثمن. @drAliAlnaimi