17 سبتمبر 2025
تسجيلإذا حل التراكم مكان الفرز وحل الفرز مكان التراكم، صار التطور نشوزا نحو اللامعقول.. ولكن أين يكون الفرز وأين يكون التراكم؟ هذا سؤال كان على الأمة أن تجيب عليه منذ أمد. الجهد والفكر الإنساني تراكمي بالضرورة، بينما أصول الأديان والعقائد، تبقى وتتطور بالفرز وليس بالتراكم. عملية الفرز والتمحيص تنتج معانيَ جديدة، الاجتهاد ذاته عملية فرز وليس تراكما. التراكم عملية بناء اجتماعي، بينما الفرز عملية تمحيص ونقد وتوسع للمعنى من الداخل. ما مارسته الأمة على طول عصورها العكس تماما. تراكم في مجال الفرز المشار إليه وقطع وبتر في مجال التراكم وتكرار للبداية، فالأمة لم تخرج من حلقة البدايات فيما يتعلق بالجانب السياسي والاجتماعي مجال التراكم بامتياز. تضخم التراث الديني حتى أصبح دينا بذاته، وهو أساسا مجال للفرز، وانقطعت التجربة السياسية مع كل قادم وعصر جديد، وهي مجال التراكم بالضرورة. لم نقدم خلاصة تجربة ناضجة سياسيا في حين قدمنا الدين بديلا عن ذلك فنقلناه من مجال الفرز الخاص به إلى مجال السياسة القائم على التراكم أساسا، فشوهنا الدين ولم نتطور سياسيا قيد أنملة. تعلقنا بجميع الأيديولوجيات الشرقية والغربية ولكن لم نتمكن من تجربة تنموية خاصة بنا، ننقلها كعقيدة فإذا تطورت في مكانها سقطت عندنا. عندما يحصل الفراغ السياسي، يتقدم المتراكم الديني ليأخذ مكانه. ما نشهده اليوم في عالمنا بعد ثورات الربيع هو ترجمة حرفية لهذه المعادلة أو المقابلة. المتراكم الديني الذي ينحو نحو السياسة ويتطلع إلى الحكم، يتقدم في حين تتراجع أو تغيب تماما التجربة السياسية المتراكمة التي يمكن أن تقود المجتمع نحو خلاصه سياسيا وتعيد إليه توازنه . ماذا استخلصنا من التجربة القومية التي سادت لعدة عقود مع أن هناك ما يمكن استخلاصه منه على الأقل البعد العروبي للمنطقة والذي نفتقده اليوم، حيث قسمها التراكم الديني الذي كان من المفروض أن يكون فرزا بين حزام شيعي وحزام سني، واختفى بذلك البعد العربي القومي الجامع بين أبنائها. ماذا استفدنا من التجارب الوحدوية العربية، لم نستخلص تراكما من أي منها يمكن أن يبني أو تبنى عليه تجربة جديدة. في حين لم نأخذ من الدين مقاصده فرزا حتى يمكن تراكمها والاستفادة منها سياسيا. معضلتنا الحقيقية في نمط تفكيرنا من داخل التاريخ الذي كان من الممكن تجاوزه من خلال فهمه، لا من خلال محاولة إعادته والعيش داخل جلبابه وعباءته. [email protected]