18 سبتمبر 2025

تسجيل

الدَور المُهادِن لأمانةِ التعاون

06 فبراير 2019

لا نعرف ما سببَ هذا الصمت الرهيب الذي التزمت به أمانة مجلس التعاون ، خلال أكثر من 600 يوم من قيام أعضاء في المجلس بفرض حصار على دولة قطر ( دولة مؤسِسة للمجلس)، متجاوزين بذلك النظامَ الأساسي ، ومبادئ الجوار والتاريخ المشترك والآمال والتطلعات ، وغيرها من « الإعلانات» التي شُغلت بها شعوبُ الخليج على مدى أكثر من ثمانية وثلاثين عاماً. ومَن يُصدّق أنه لم تصدر أيةٌ مبادرة من الأمانة العامة لاحتواء أزمة حصار دولة قطر، في محاولة للتقريب بين وجهات النظر، بين الأعضاء «المتخاصمين» طوال تلك الفترة الماضية من الحصار المفروض على دولة قطر!. إن دور الأمانة العامة يجب أن يكون حياديًا ، كي تستطيع التصرّفَ بحكمة ، وتُجسِر ما انقطع بين الدول الأعضاء، أما أن تكون الأمانة العامة لمجلس التعاون إدارة تُديرها الخارجية السعودية ، فهذا أمر يتجاوز مهنية عمل الأمانة العامة وصلاحيات الأمين العام، حسب النظام الأساسي، ويُهدِّد دورَها، ويُفشِل طموحاتِ وثقةِ شعوب الخليج، في تحقيق شعارات عام 1981، وما تلاهُ من (خليجنا واحد.. وشعبنا واحد..الله يا خليجٍ ضمّنا). كانت هذه الهتافات تجرحُ حناجرَ شعوب الخليج، بعد أن تم تصوير مجلس التعاون على أنه (سفينة نوح) التي ستحفظ شعوبَ الخليج من الطوفان! إلا أن هذا الأخيرَ قد جاء قبل أوانه. ولم يدُر بخلد أي مواطن خليجي أن يكون « خرق» السفينة يتم من الداخل، بعد أن وجّهوا الأنظار إلى إيران كعدوٍ لشعوب الخليج، وهي التي وقفت إلى جانب قطر وقفة الجار الصادق. ففي 25/6/2017 قامت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، ومصر، بفرض حصار جويّ وبريّ ، اقتصادي واجتماعي، على دولة قطر، متعللين بشريط تمت فبركته، بعد أن اخترقوا موقع وكالة الأنباء القطرية ، وهي دعوى غير مبررة ، لأن التخطيط للإطاحة بنظام الحكم في قطر، قد بدأ منذ العام 1995، ومنذ ذلك التاريخ، جلس قادةُ التعاون يبتسمون كل عام للكاميرات، ويجلس بينهم حضرة صاحب السمو أمير دولة قطر، بكل حبٍّ وودّ « تحسبهُم جميعاً وقلوبهم شتّى» ، صور الحشر آية 14. وكم من أحاديثَ لطيفةٍ دارت ، وقُبلات تُبودلت، وضحكاتٍ برزت بين قادة الدول الست، أو مَن يمثلونهم ، وكم بُسطت السجادات الحمراء، وعُزفت الأناشيد والسلامات الوطنية، احتفاءً بتماسك مجلس التعاون ، وإصرار قادته على الحفاظ عليه، بأي ثمن، حتى عُدَّ هذا المجلس، واحداً من الحصون المنيعة في عالم تهتز فيه العروش، وتفشل فيه التجارب الوحدوية. ولكن للأسف، شهدت شعوب الخليج مسرحية سياسية، ما كانت تتوقع لها هذه النهاية!؟ كان يجب على الأمين العام لمجلس التعاون الدكتور عبداللطيف الزياني أن يركب طائرته ويحطّ الدوحة، من أول يوم الخلاف، حاملاً مشروعاً توفيقياً ، ورؤية سياسية لاحتواء الموقف بالطرق الدبلوماسية، حسبما تفرضه عليه وظيفته، وكان يجب تفعيل (هيئة تسوية المنازعات )، المنصوص عليها في النظام الأساسي للمجلس، والتي نصّت المادة 3 منها على أن هذه الهيئة تختص بالآتي: « 1- منازعات بين الدول الأعضاء. 2- خلافات حول تفسير أو تطبيق النظام الأساسي لمجلس التعاون. وجاء في المادة 4 ، عضوية الهيئة: « يتم تشكيل الهيئة من عدد من مواطني الدول الأعضاء غير الأطراف في النزاع، الذين يرى المجلس اختيارهم في كل حالة على حدة، بحسب طبيعة الخلاف، على ألاّ يقل عددهم عن ثلاثة». ولكن للأسف، لم تتشكل هذه الهيئة، لأن هنالك أوامر وتعليمات بعدم تحرُّك الأمانة العامة، ثم اكشتفنا أن الأمر يتجاوز الحصار إلى قلب نظام الحكم كلية! وقام بمهمة الوساطة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت، إلا أن هذه الوساطة ، لم تؤتِ ثمارها حتى اللحظة، رغم الجهود المُقدّرة التي قام بها الشيخ صباح. وبطبيعة الحال، حصل شرخٌ كبير بين أبناء مجلس التعاون، مسَّ جميعَ أوجه الحياة، من تطبيب وتعليم وتجارة، وضجرٍ عائلي، نتيجة فرض الحصار، بل قام الإعلام بعملية شحن المواطنين في دول الحصار، ولكأن الشعب القطري جاء من المريخ، وأنه ليس هذا الشعب الذي وقف مع الدول الأعضاء « المُحاصِرين» في الشدائد، ولكأن دولة قطر ليست الدولة التي وقعّت اتفاقيات تعاون ثنائية مع هذه الدول، لتسير جنباً إلى جنب مع مساهماتها في مجلس التعاون كإطار تكاملي لهذه الدول؟! ولعل المواطن الخليجي يتساءل في حالة صحوة: ماذا استفادت شعوبُ الخليج بأسرها من حصار دولة قطر؟ وهل من الحكمة إزالةُ دولة من الوجود أو ضمّها لدولة أخرى ، كما كان مُخططاً، ولكأننا نعيش في غابة ؟ ومن المسؤول عن تشتت العائلات المشتركة، وعدم قدرتها زيارة أهلها في دول الحصار أو زيارة المواطنين الخليجيين لقطر بعد أن تم إصدار قوانين وتشريعات تجرّم التعاطف مع دولة قطر ؟ في الوقت الذي لم تمنع دولة قطر أي مواطن خليجي من دخول أراضيها. وفي الوقت الذي تم إيقاف البريد من قبل دول الحصار، حيث حُرمنا من المجلات الثقافية المتخصصة، كما حُرم المواطنون من زيارة معارض الكتب في دول الحصار، في الوقت الذي واصل الإعلام القطري بث الأغاني والمقابلات الفنية والثقافية للفنانين من دول الحصار. وهذا أمر لا يعرفه الكثيرون، حيث تعامل الإعلام القطري تعاملاً حضارياً، وفنَّد كل إدعاءات إعلام دول الحصار، بروح من الواقعية، وحتى المقالات التحليلية لم تمارس الكذب أو التلفيق، وكنا ننادي دوماً بأهمية تماسك مجلس التعاون، وأعتقد أن هذه رؤية كل مواطن مخلص في هذا المجلس. وعلى الجانب الآخر، تخندَق مفكرون خليجيون تحت خيمة السياسة، وألغوا ضمائرهم ، ومارسوا الكذب على دولة قطر، وقاموا ببث خطابات الكراهية والاستعداء ، ولكأننا داخلون في (حرب البسوس)!؟ بل إن أحد هؤلاء نسبَ مقتل الصحفي خاشجقي إلى دولة قطر، وقال: «هذه ليست ممارسات دولة، بل ممارسات عصابات!» ليأتي النائبُ العام السعودي ويُقر بمقتل (خاشقجي) في القنصلية السعودية في اسطنبول، ويتم اعتقال من نفَذوا العملية! توجد حالات «هستيريا» شملت كل مناحي الحياة، وترويج للكذب الذي يُصدّقه كثيرون. وأخيراً وصل الأمر إلى الرياضة، خلال دورة كأس آسيا 2019، حيث ظهرت ممارسات من بعض الأفراد ليست من قيم الرياضة، بل إن رسميين في الدولة المُضيفة لم يلجموا هذا الهجوم الهمجي على أفراد منتخبنا وهو يقدّم أجمل المباريات في ختام الدورة، ووصل الأمر أيضاً إلى حرق صور المسؤولين القطريين والعلم القطري، وهذه ليست من شيم الرجال العقلاء. أكثر من 600 يوم، وأكثر من مخالفة دبلوماسية وسياسية واقتصادية وإنسانية، حصلت ضد دولة قطر، والأمانة العامة لمجلس التعاون سادرة في غيّها، ولكأنَّ الأمرَ لا يعنيها، مُتناسية المادة الرابعة من النظام الأساسي!؟ نقول أخيراً ، ليس من مصلحة أحد أن يضطرب أمنُ الخليج، وأن اللعبَ بالنار ليس من خصال العقلاء، وأن الدولَ المُحبَّة للسلام، والأممَ المتحدة وهيئاتها لن تسمح بتعكير الأمن في الخليج، مهما كانت الدعاوى والمُبررات. وأن دولة قطر شقّت طريقها نحو المستقبل ، بدون مجلس التعاون، الذي تم اختطافه، وجعْلهِ إدارةً من إداراتهم الفاشلة!؟