11 سبتمبر 2025
تسجيل:"إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ"[1]قلنا: في هذه الآية وعدٌ من الله ـ سبحانه وتعالى ـ لرسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، ألا يضره المستهزئون، وأن يكفِيَه إياهم بما شاء من أنواع العقوبة. ولا أوفى منه عز وجل فما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أوبما جاء به ـ قديما أو حديثا ـ إلا أهلكه الله وقتَلَه شر قِتلة. ذكرنا بالأمس أمثلة وهذه نماذج كما فى الصحيح1 — قال عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: "بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ.. يَوْمَ بَدْرٍ، نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ لَوْ كُنْتُ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا، فَقَالَ: "يَا عَمِّ، هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟"، قُلْتُ: "نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي". قَالَ: "أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا". فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَزُولُ فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ: "أَلَا تَرَيَانِ؟ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلَانِ عَنْهُ". فَابْتَدَرَاهُ، فَضَرَبَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ: "أَيُّكُمَا قَتَلَهُ"، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: "أَنَا قَتَلْتُ"، فَقَالَ: "هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟"، قَالَا: "لَا"، فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ: "كِلَاكُمَا قَتَلَهُ"[2]2 — كَانَ كَعْب بْنِ الْأَشْرَفِ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وَيُحَرِّضُ عَلَيْهِ كُفَّارَ قُرَيْشٌ، فقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: "مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللهَ وَرَسُولَهُ"، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: "يَا رَسُولَ اللهِ أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ"، قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: "فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا"، قَالَ: "قُلْ"، فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: "إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا صَدَقَةً.. وقَدْ اتَّبَعْنَاهُ فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ، وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ". فَقَالَ: "نَعَمِ، ارْهَنُونِي". قَالُوا: "أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ؟"، قَالَ: "ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ"، قَالُوا: "كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ"، قَالَ: "فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ"، قَالُوا: "كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ فَيُقَالُ: رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ، هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا، وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ (يَعْنِي السِّلَاحَ)". فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَجَاءَهُ لَيْلًا وَمَعَهُ أَبُو نَائِلَةَ (وَهُوَ أَخُو كَعْبٍ مِنْ الرَّضَاعَةِ) فَدَعَاهُمْ إِلَى الْحِصْنِ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: "أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ؟". فَقَالَ: "إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَخِي أَبُو نَائِلَةَ". قَالَتْ: "أَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ"، قَالَ: "إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ، إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لَأَجَابَ". قَالَ: "وَيُدْخِلُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَعَهُ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ: "إِذَا مَا جَاءَ فَإِنِّي قَائِلٌ بِشَعَرِهِ فَأَشَمُّهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ فَدُونَكُمْ فَاضْرِبُوهُ". وَقَالَ مَرَّةً: "ثُمَّ أُشِمُّكُمْ"، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ مُتَوَشِّحًا وَهُوَ يَنْفَحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ، فَقَالَ: "مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رِيحًا" ـ أَيْ أَطْيَبَ ـ قَالَ: "عِنْدِي أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَأَكْمَلُ الْعَرَبِ"، فَقَالَ: "أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشُمَّ رَأْسَكَ؟"، قَالَ: "نَعَمْ"، فَشَمَّهُ، ثُمَّ أَشَمَّ أَصْحَابَهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَتَأْذَنُ لِي"، قَالَ: "نَعَمْ"، فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ، قَالَ: "دُونَكُمْ"، فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ أَتَوْا النَّبِيَّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فَأَخْبَرُوهُ"[3].3 —كَانَ أَبُو رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم — وَيُعِينُ عَلَيْهِ، فبَعَثَ إليه رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَارِ بإمارة عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ.. فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ وَقَدْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ.. قَالَ عَبْداللهِ لِأَصْحَابِهِ: "اجْلِسُوا مَكَانَكُمْ، فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ وَمُتَلَطِّفٌ لِلْبَوَّابِ لَعَلِّي أَنْ أَدْخُلَ". فَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنْ الْبَابِ ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِي حَاجَةً، وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ فَهَتَفَ بِهِ الْبَوَّابُ: "يَا عَبْدَاللهِ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ، فَادْخُلْ؛ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُغْلِقَ الْبَابَ". فَدَخَلْتُ فَكَمَنْتُ.. فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَسْطَ عِيَالِهِ لَا أَدْرِي أَيْنَ هُوَ مِنْ الْبَيْتِ. فَقُلْتُ: "يَا أَبَا رَافِعٍ"، قَالَ: "مَنْ هَذَا؟"، فَأَهْوَيْتُ نَحْوَ ِالصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ.. فَمَا أَغْنَيْتُ شَيْئًا وَصَاحَ.. ثُمَّ قُلْتُ: "مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ"، فَقَالَ: «لِأُمِّكَ الْوَيْلُ؛ إِنَّ رَجُلًا فِي الْبَيْتِ ضَرَبَنِي قَبْلُ بِالسَّيْفِ". فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أَثْخَنَتْهُ، وَلَمْ أَقْتُلْهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ ظُبَّةَ السَّيْفِ فِي بَطْنِهِ حَتَّى أَخَذَ فِي ظَهْرِهِ؛ فَعَرَفْتُ أَنِّي قَتَلْتُهُ.. ووَقَعْتُ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ فَانْكَسَرَتْ سَاقِي، فَعَصَبْتُهَا بِعِمَامَةٍ، ثُمَّ جَلَسْتُ عَلَى الْبَابِ، فَقُلْتُ: "لَا أَخْرُجُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَعْلَمَ أَقَتَلْتُهُ؟!". فَلَمَّا صَاحَ الدِّيكُ قَامَ النَّاعِي عَلَى السُّورِ، فَقَالَ: "أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ تَاجِرَ أَهْلِ الْحِجَازِ"، فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَقُلْتُ: "النَّجَاءَ فَقَدْ قَتَلَ اللهُ أَبَا رَافِعٍ"، فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: "ابْسُطْ رِجْلَكَ"، فَبَسَطْتُ رِجْلِي فَمَسَحَهَا فَكَأَنَّهَا لَمْ أَشْتَكِهَا قَطُّ"[4]. مِنَ فَوَائِدِ هَذه الأحاديث الصحيحة: جَوَازُ اغْتِيَالِ الْمُشْرِكِ الَّذِي بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ وَأَصَرَّ، وَقَتْلُ مَنْ أَعَانَ[5] عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بِيَدِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ ـ رأيٍ[6] بــ ـ لِسَانِهِ.4 — عتبَة بن أبي لَهب كَانَت تَحْتَهُ ابْنة رَسُول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أَرَادَ الْخُرُوج إِلَى الشَّام، فَقَالَ لَآتِيَن مُحَمَّدًا فَلَأُوذِيَنَّهُ.. فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّد "هُوَ" كَافِر بِالنَّجْمِ إِذا هوى وَبِالَّذِي دنا فَتَدَلَّى ثمَّ تفل فِي وَجه رَسُول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وردَّ عَلَيْهِ ابْنَته وَطَلقهَا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اللَّهُمَّ سلط عَلَيْهِ كَلْباً من كلابك).. ثمَّ خَرجُوا إِلَى الشَّام.. فَقَالَ أَبُو لَهب لأَصْحَابه أَعِينُونَا.. فَإِنِّي أَخَاف عَلَى ابْني دَعْوَة مُحَمَّد، فَجمعُوا جمَالهمْ وَأَنَاخُوهَا حَولهمْ وَأَحْدَقُوا بِعتبَة، فجَاء الْأسد يشْتَم وُجُوههم حَتَّى ضرب عتبَة فَقتله[7].5 ـ أُمُّ قِرْفَةَ الفَزَارية، كانت تُؤلِّب عَلَى النَّبِيّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ جَهَّزَتْ ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنْ وَلَدِهَا وَوَلَدِ وَلَدِهَا، فَقَالَتِ"اقْدُمُوا الْمَدِينَةَ، فَاقْتُلُوا مُحَمَّداً"، فَقَالَ: صلى الله عليه وآله وسلم: "اللَّهُمَّ أَثْكِلْهَا وَلَدَهَا"، وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَقَتَلَ بَنِي فَزَارَةَ، وَقَتْلَ وَلَدَ أُمِّ قِرْفَةَ، وقَتَلَهَا قَتْلاً عَنِيفًا؛ رَبَطَ بِرِجْلَيْهَا حَبْلَيْنِ ثُمَّ رَبَطَهُمَا إِلَى بَعِيرَيْنِ حَتَّى شَقَّاهَا. وَبَعَثَ بِدِرْعِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فَنَصَبَهُ بَيْنَ رُمْحَيْنِ"[8].6: في القيروانِ كان الشاعر إبراهيم الفزاري يستهزىء باللهِ وأنبيائهِ ونبينا محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فأفتى الفقهاءُ بقتلِه، فأمر القاضي يحيى بن عمرَ بتنفيذ قَتْلِه وصَلْبه، فطُعن بالسكينِ وصُلب مُنَكَّسًا، ثم أُنزل وأُحرق بالنارِ، وحكى بعضُ المؤرخين أنه لما رُفعت خشبته، وزالت عنها الأيدي، استدارت وحولته عن القبلةِ، فكان آيةً للجميعِ، وكبَّر الناسُ، وجاءَ كلبٌ فولغ في دمهِ.