18 سبتمبر 2025

تسجيل

"الخليجي" عند منعطف خطر

06 يناير 2016

تصاعدت وتيرة الأحداث مع بداية هذا الأسبوع، بعد صدور أحكام قضائية في المملكة العربية السعودية قضت بإعدام 47 شخصًا أدينوا بزعزعة الأمن وزرع الفتن واعتناق المنهج التكفيري والانتماء لتنظيمات إرهابية وتنفيذ مخططات إجرامية، إلى جانب استهداف مقار للأجهزة الأمنية والعسكرية ما أدى إلى استشهاد عدد من رجال الأمن والمواطنين، وكذلك الإضرار بعلاقات المملكة ومصالحها مع الدول الأخرى.ولقد ردت إيران بسرعة على تنفيذ تلك الأحكام، وكان أبرز تلك الردود ما جاء على لسان المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية "علي خامنئي" الذي قال: "إن السعودية ستواجه انتقامًا إلهيًا" و"إنها ارتكبت خطأ سياسيًا بإعدام النمر". بينما ندد الرئيس الإيراني "حسن روحاني" بالإجراءات التي اتخذتها المملكة، معتبرًا أن تلك الإجراءات تذكي "الإرهاب والتطرف في المنطقة والعالم".وعلى إثر حادثة اقتحام السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد من قبل متظاهرين - لم يتم منعهم من قبل أمن السفارة والقنصلية - في مخالفة واضحة لاتفاقية فيينا لعام 1961 التي تلزم الدول بحماية البعثات الدبلوماسية على أراضيها، أعلن وزير الخارجية السعودي مساء الأحد الماضي قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران وإعطاء البعثة الدبلوماسية في الرياض مهلة 48 ساعة لمغادرة البلاد. وفي وقت لاحق، أعلنت مملكة البحرين قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران، في حين أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة تخفيض تمثيلها الدبلوماسي لدى إيران وسحب سفيرها منها.ولقد أعربت دولة قطر عن تنديدها واستنكارها الشديدين للهجوم الذي تعرضت له سفارة المملكة العربية السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد . حيث أكدت وزارة الخارجية في بيان لها يوم الأحد الماضي أن هذا الاعتداء يعد انتهاكًا واضحًا ومرفوضًا للمواثيق والأعراف الدولية، ولاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، والتي تكفل أمن وحماية البعثات الدبلوماسية وأعضائها، مطالبة الحكومة الإيرانية بتوفير الحماية الكافية للبعثات الدبلوماسية وأعضائها، واتخاذ الإجراءات القانونية كافة واللازمة بحق المعتدين . كما أكد البيان دعم دولة قطر التام للجهود كلها التي تبذلها المملكة العربية السعودية الشقيقة في مواجهة مختلف التهديدات التي تواجه المملكة والمنطقة. كما أعربت عدة دول خليجية تضامنها مع الإجراءات التي تتخذها المملكة بشأن الحفاظ على أمنها وأمن شعبها. وكان الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الدكتور "عبد اللطيف الزياني" قد أدان الاعتداءات الهمجية على سفارة المملكة العربية السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد. وحمّل "الزياني" الحكومة الإيرانية المسؤولية الكاملة عن تلك الأعمال الإرهابية. كما استنكر التصريحات الإيرانية العدائية والتحريضية بشأن تنفيذ المملكة للأحكام الشرعية الصادرة بحق الإرهابيين، معتبرًا إياها تدخلًا سافرًا في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية. وأشار "الزياني" إلى أن دول التعاون تقف صفًا واحدًا مع المملكة العربية السعودية في استنكارها لهذه الأعمال الإرهابية ضد بعثات المملكة العربية السعودية في إيران، وتحمّل السلطات الإيرانية المسؤولية الكاملة عنها .ولا نريد أن ندخل في استعراض للتدخلات الإيرانية في كل من العراق ولبنان واليمن ومملكة البحرين وشرق المملكة العربية السعودية، بغرض الترويج لعقائد فكرية تضُر الأمن القومي لهذه الدول، وتخلق مناخًا من الكراهية ضد المسلمين السنة، وهذا ما ُّتقوم به بعض القنوات الفضائية التابعة لإيران، بما في ذلك التطاول على أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رضي الله عنهم، والتعرض للرموز السياسية والاجتماعية في المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، كما جاء ذلك علنًا فيما رددّه "نمر النمر" في تسجيل تلفزيوني.وكما كان اقتحام مقار البعثات السعودية في إيران جاء على خلفية إعدام من أُدينوا بأعمال تخل بالأمن في المملكة، وصدرت بحقهم أحكام قضائية ؛ فإن إيران لا تتردد في إعدام المئات من شعب الأهواز المناضل والساعي لحريته! ولم يحصل أن تدخلت أي دولة خليجية أو عربية في ذلك! فلماذا تعتبر إيران ذلك أمرًا سياديًا ولا تطبّق النظرية ذاتها على ما قامت به المملكة العربية السعودية؟ وأعتقد أن ذلك يدحض ما ذهبت إليه إيران من أن الشعب الإيراني غاضب على الإجراء السعودي فقام باقتحام تلك المقار، وهذا فكر ليس له ما يبرره.المهم، في هذه اللحظات الحاسمة، يبدو أن مجلس التعاون يواجه مأزقًا كبيرًا، لأن علاقات دول المجلس متفاوتة " في دفئها " مع إيران! كما أن إيران دولة جارة ولها ثقل إسلامي وحضاري ولها شواطئ ممتدة على طول الخليج العربي، ولها مصالح اقتصادية مع دول المجلس، وقد نالت بعض الرضا من المجتمع الدولي بعد اتفاقيات جنيف . ولكن مع ذلك لن تتحمل دول التعاون تكرار استعراض القوة في مياه الخليج، ولا الخطاب الثيوقراطي المتشدد والمتشنج من قبل إيران! بل إن سجلات مجلس التعاون لأكثر من عشرين عامًا تحفظ مواقف المجلس الودية تجاه طهران، ودعوتها للحوار حول مسائل الخلاف، ولعل أهمها احتلال إيران جزر الإمارات الثلاث، ومخالفة إيران للأعراف الدولية بالتدخل المباشر في الشؤون الخليجية والعربية.في هذا اللحظات الحاسمة، يحتاج الموقف من دول المجلس إلى تدارس الأمر بصورة عملية، أولًا لحفظ الأمن وضمان عدم تغلغل الأصابع المخربة إلى هذه الدول، وثانيًا لعدم الانجرار السريع فيما تنصبهُ إيران من أحابيل تهدف لـ"عرقنة" أو "يمننة" أو "لبننة" الخليج، خصوصاُ في ظل فتح جبهة اليمن، والجبهة السورية والعراقية أيضًا، وحكومات هذه البلدان ليست على وفاق مع جهود مجلس التعاون في حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة.نعم، الأمر يحتاج إلى دور سياسي في الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن ومنظمة العالم الإسلامي، قبل أن تتطور الأمور وتخرج عن السيطرة.