15 سبتمبر 2025
تسجيلالذي يقف على ما يتداول في الإعلام المصري بكل مسمياته في هذه الأيام، يدرك أن الفتق الذي حدث في النسيج الاجتماعي والسياسي المصري في الثلاثين من يونيو 2013 لا يمكن التهوين من شأنه، أو التقليل من حجمه، أو غض الطرف عنه، على أمل أن يصلح الزمن ما أفسده الدهر كما يقولون. الفتق الذي حدث أخذ يتسع باضطراد مثير للقلق في المجتمع المصري، ويكاد يستعصى على كل محاولات الرتق. لقد انقسم المجتمع المصري إلى كتلتين متعارضتين، واحدة تمثل الإسلام السياسي، والأخرى تمثل المجتمع الليبرالي العريض. وتتخذ كل كتلة مواقف متشددة ضد الكتلة الأخرى بصورة تجعل الاستماع إلى بعضهما البعض أمرا عسيرا، مما يشي بانسداد كل طرق التراضي الوطني المصري في المستقبل المنظور. فالنفوس تبدو مشحونة على الآخر. والخطاب السياسي المتبادل بين الأطراف المتخاصمة مشحون هو الآخر بالعنف اللفظي. وبالتهديد والوعيد. والأمن في الشارع المصري العريض صار يواجه تحديات طارئة جدية تمثلت في تنامي ظاهرة العنف الإرهابي الذي يتخذ من التفجيرات العشوائية وسيلة تعكس انحدارا قد تصعب العودة منه. مع ما يصاحبه من مظاهر جرائم الاغتيال السياسي، والاغتصاب الجديدة على المجتمع المصري. لا شك أن هذا درك سحيق في التعبير عن الخلاف السياسي يخرج بالحلول المنشودة من دائر الممكن إلى دائرة المستحيل. أن جنوح خصوم السلطة القائمة إلى العنف الدموي، والإصرار على تعطيل دولاب العمل في مرافق الدولة الحيوية، هو نوع من الانتحار السياسي لا يقدم عليه إلا من غابت عن فطنته الرؤى الصحيحة. هذه الأعمال الشائنة في حق الوطن والمواطن المصري كانت نتيجتها هي دماء مصرية تسفك بلا هوادة، لأن الدولة وجدت نفسها مضطرة للتصدي لهذه الانحرافات السياسية. وفي ظل أجواء مثل هذه تعجز كل مكونات المجتمع عن ابتدار حلول جادة لتجسير هوة الخلاف بين الأطراف المتخاصمة. وهذه مزالق لا يقدم عليها إلا من فقد البوصلة وأصبح مثل ملاح ضاع من بين يديه المجداف وهو في عرض بحر لجي تنوء فيه العواصف والأنواء ولا يدري في أي اتجاه يسير به قاربه.. يتحدث كثير من المشفقين والحادبين من أبناء مصر الآن عن الفرص التي ضاعت من بين أيديهم عندما لم يستبن الطرفان النصح من بعض أبناء مصر المخلصين الذين حاولوا رأب الصدع بالتوسط المتجرد في ذلك الظرف الذي كان يسمح بجهد من ذلك القبيل. لقد ضاعت أصوات أولئك المخلصين وسط ضجيج الاعتراك بلا معترك من الجانبين. حدث ذلك عندما رفض كل جانب تقديم أي تنازلات للجانب الآخر. وفات على الجميع الحكمة القديمة التي تقول إن السياسة هي فن الممكن. وهكذا ضاعت فرص التهدئة. الآن وصل الجانبان إلى نقطة اللاعودة. تمثل ذلك في تحويل الحكومة تنظيم الجماعة إلى مجموعة إرهابية. لقد سندت الحكومة ظهر الجماعة على الحائط بهذا القرار. ومعروف بالمشاهدة أن من يجد ظهره على الحائط فسوف يقاتل قتال المستميت اليائس طالما لم يعد لديه ما يفقده. هذه لوحة قاتمة لا تسر غير الشامتين من أعداء مصر في الداخل والخارج. خبراء القانون والدستور المصريون افترقت بهم السبل القانونية والدستورية في قانونية ودستورية قرار الحكومة بدمغ تنظيم الجماعة بالإرهاب. وبدأوا في الجدل العميق حول القرار. الأمل الوحيد هو ألا يطول جدل النخب المصرية مثلما طال جدل النخب البيزنطية الذي حكاه التاريخ القديم وهم يتجادلون حول أيهما سابق على الآخر: البيضة أم الدجاجة في وقت كان فيه صهيل خيول سبارتا القوية تصك أسماع مدينتهم.