20 سبتمبر 2025
تسجيلجددت أحداث السابع من أكتوبر السمة التي طبعت العقود الأخيرة من عالمنا، ألا وهي صبغة عصر الكيانات اللا دولتية، فقد أشغل كيان لا دولتي وهو المجاهدون الأفغان الاتحاد السوفيتي في سبعينيات القرن الماضي وما بعده، وأشغل معه العالم كله، وظل العالم لعقود منشغلاً بذلك اللاعب اللادولتي الذي فرض أجندته وحضوره على العالم كله، فكانت الأجندة العالمية الأولى قضية أفغانستان، وما إن اختفى الاتحاد السوفيتي من على الخريطة، حيث كان للمجاهدين الأفغان دورهم البارز في ذلك الاختفاء، حتى برزت تداعيات هزيمته على ذلك الكيان اللادولتي، فكانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر أيلول، ودور كيان لا دولتي جديد، وهو القاعدة الذي استقوى بكيان لادولتي ثانٍ وهو طالبان التي كانت تحكم أفغانستان يومها، وظل الكيانان اللادولتيان، مالئين الدنيا وشاغلين العالم لفترة ليست قصيرة. وبدون الدخول في تفاصيل ما بعد تلك المرحلة، إن كان من حيث حضور كيانات لا دولتية في العراق، أو في الصومال، وحتى في سوريا ولبنان وغيرها من الدول، فإن الكيان اللا دولتي الحاضر الأكبر اليوم في الساحة الدولية، إنما هو حركة المقاومة الإسلامية حماس، التي فرضت نفسها بعد أحداث السابع من اكتوبر، وجعلت العالم يقف على رجل واحدة، تماماً كما تعهد بذلك المسؤول العسكري لمقاتلي القسام محمد الضيف وهو المبتور الرجل، الذي نقل عنه بأنه ما دمت أقف على رجل واحدة، فإنني سأجعل العالم كله يقف على رجل واحدة أيضاً. الخلل الذي طرأ على هذا العالم في العقود الماضية كان السبب الأكبر في حضور الكيانات اللادولتية، وسيكون هذا الحضور في ازدياد، وتصاعد مع مرور الوقت، إذ إن العلاقة عكسية تماماً بين تنامي الكيانات اللادولتية وتراجع الكيانات الدولتية، خصوصاً مع تخليها عن التزاماتها في إحقاق الحق وفرض العدل، وهو ما نرى غيابه في فلسطين وسوريا والعراق واليمن وغيرها من الدول وعلى مدى عقود، الأمر الذي مكّن الكيانات اللادولتية من اكتساب جغرافيا وديمغرافيا جديدة على حسابات الكيانات الدولتية التقليدية، وهو ما تجلى بوضوح في السنوات الماضية. حين تختطف حركة المقاومة الإسلامية حماس ومقاتلوها القساميون الأضواء كلها من المعركة التي كانت تعد الأهم بالنسبة للقوى العظمى، وهي معركة أوكرانيا، ومعركة التنافس الكبير بين القوتين العظميين أمريكا والصين في بحر الصين الجنوبي، والتي كانت على شفا حرب عالمية، فهذا يعني باختصار ودون مواربة قدرة الكيانات اللادولتية على فرض أجندتها، بل وإرغام القوى الكبرى هذه على تناسي أجنداتها الأساسية التي تمس بأمنها الوطني والقومي، والانشغال بأجندات وأولويات الكيانات اللادولتية. في موازاة التحرك الفلسطيني اللادولتي نرى كياناً لادولتياً آخر في إدلب استطاع خلال السنوات الماضية فرض معادلته بالرد العسكري والخشن على الانتهاكات التي يقوم بها النظام وداعموه، وفي موازاة ذلك تمكن من فرض أنموذجه الناعم في الحوكمة، وهو الأمر الذي تفتقره مناطق النظام نفسه الذي يحوز على دعم قوى إقليمية وكبرى، فكانت القوة الناعمة وأدواتها في الشمال السوري المحرر من خلال توفر الكهرباء والمياه والمشافي والخدمات، والتعليم ونحو ذلك من الخدمات التي تفتقر إلى أبسطها المناطق الخاضعة للنظام السوري، مما قدم ذلك كله المحرر وثورته بشكل حضاري، حتى للأهالي المقيمين في مناطق النظام، حين بدأ البعض منهم بمغادرة مناطقهم والالتحاق بمناطق الشمال السوري المحرر نظراً لتوفر الخدمات الأساسية الغائبة عن مناطق النظام التي يقيمون فيها، عززه وجود نافذة تركية إلى العالم قريبة من مناطق الشمال السوري المحرر. تنامي قوة وسطوة الكيانات اللادولتية على امتداد المنطقة العربية والإسلامية، تعني بالمطلق تراجع قوة وسطوة الكيانات الدولتية التي عجزت قوتها العسكرية الباطشة على هزيمة الكيانات اللادولتية والتي تستمد قوتها ونسغ حياتها من حاضنة اجتماعية كبيرة ومتنامية، تقف معها وتدعمها، بل وتدافع عنها، بالإضافة إلى تراجع هذه الكيانات الدولتية في توفير أبسط الخدمات الحياتية، والتي بدأ خصومها من الكيانات اللادولتية توفيرها، ولذلك أسبابه الكثيرة على رأسه ترهل الكيانات الدولتية بخلاف الخصم، بالإضافة إلى الفساد الذي نخر الكيانات اللادولتية المفتقرة للحافز والدافع والمشجع، على خلاف الكيانات اللادولتية. لقد كان أكبر رهان الكيانات الدولتية في معركتها مع خصومها هو أن خصومها إنما يعرفون سياسة حياة الموت، ولا علاقة لهم بثقافة الحياة والعيش الكريم كما كانت هذه الكيانات تروجه وتسوقه للمدنيين، ولكن وقائع أفغانستان طالبان، وحماس غزة، والشمال السوري المحرر كذبت ذلك كله، وقلبت الصورة تماماً أمام الأهالي.