14 سبتمبر 2025

تسجيل

معرض الدوحة للكتاب

05 ديسمبر 2018

في كلّ عام تحتفل دولةُ قطر بالمعرفة عبرَ معرض الدوحة الدولي للكتاب، وهو فرصة لتعويد أفراد المجتمع على اقتناء الكتاب، بهدف تعميق الوعي بأهمية القراءة، ولا أعتقد أن المعرض «دكان» لبيع الكتب، بقدْر ما هو فرصة لتلاقي الأفكار، وتبادل فنون المعرفة، والاطلاع على تجارب الآخرين، وطرائقِ تفكيرهم، وملامحِ بيئاتهم، وأثرِ ذلك على ما يكتبون، والمُهم في الأمر ليس اقتناء الكتب فحسب، بل إن الأهمية تكمنُ في مدى الاستفادة منها، وعبرَ القراءة المتأنية، والتعمّق في الأفكار، التي يطرحها الكُتّاب. كما أن المعرض هذا العام، جاء في حُلّةٍ جديدة، اتّسمت برحابة المكان، حيث زادت المساحة، وساعد ذلك على انسياب المرور والحركة بين الأجنحة، وأيضًا بين المنصّات الثقافية. وكان وجود المسرح الرئيسي فرصة جميلة لإقامة بعض الفعاليات عليه، تمامًا كما هو (دوّار المعرفة). هنالك مؤسسات قطرية تخصصية وإعلامية قامت بالمشاركة هذا العام، وهذا مؤشر هام ومعلوماتي، يُوضّح للزائر المهامَ والأعمالَ التي تقوم بها تلك المؤسسات. ولقد كان لوجود ضيف الشرف، وهي روسيا، أثرٌ في التعرّف على الأدب الروسي، وجِهاتِ صناعة المعرفة في هذا البلد. النشاطات كانت متعددة، والتغطيات الإعلامية كانت بارزة ليس في وسائل الإعلام التقليدية فحسب، بل عبر القنوات التي وفّرتها وزارة الثقافة والرياضة، والشكر هنا للجنة الإعلامية التي واكبت الحدثَ دقيقة بدقيقة، ونقلت النشاطات في حينها إلى العالم. كما كانت هنالك بعض المؤسسات التي غطّت الحدث، والتقت بالمبدعين والمسؤولين، ما أوصلَ الحدث إلى كافة شرائح المجتمع، ما يمكن أن يشجّعهم على الحضور إلى المعرض. للمعرض قيمة معرفية، إضافة إلى قيمته الحضارية، فالأدباء والمبدعون يلتقون على أرض المعرفة، ويتبادلون الأفكار والرؤى، حول ما قرَؤوه من إنتاج المبدعين، تماماً كما برزت دُور النشر القطرية، والتي تضاعف إنتاجُها هذا العام، واستقطبت العديد من الكتّاب القطريين والعرب، هذه الدُور، تقع عليها مسؤولية كبيرة في احتضان المواهب ودعمِها، وتوجيهِها الوجهة السليمة، وهذا دَورٌ مهم، لأن الكاتب الناشئ ذا التجربة الأولى أو الثانية يحتاج إلى هذا التوجيه من أصحاب الدُور المتخصصين في صناعة الأدب. كما أن وجود سعادة الأستاذ صلاح بن غانم العلي وزير الثقافة والرياضة، يوميًا في المعرض، أبرزَ اهتمام الوزارة بهذا المعرض، الذي نُجزم بأنه ليس «ترفًا» فكريًا، بقدر ما هو تعميقُ الوعي بأهمية القراءة، وتعويدُ الناس على اقتناء أوعية المعرفة، في اتجاهاتها المختلفة. وأعتقد أن وجودَ ناشرين وكُتب، غير عربية، فرصة لبحث مسألة ترجمة بعض الأعمال القطرية إلى لُغاتهم، وهذا ما قُمنا به مع بعض الناشرين من تركيا وروسيا، حيث حصل تواصلٌ مع هؤلاء الناشرين، حول هذه المسالة. وأرى أن تقوم دور النشر القطرية بالتواصل مع تلك الدور، دعمًا للكتاب القطري الجيد، وترجمته، وتوزيع الكتاب القطري – باللغة العربية أيضاً- في تلك البلدان. معرض الدوحة للكتاب واجهة حضارية، وكما قلنا، في العام الماضي، يجب استغلالُ فرصةِ وجود المعرض، من قِبل جميع المؤسسات، خصوصًا التعليمية، بهدف تعويد الطلاب على القراء، واقتناء أوعيةِ المعرفة. ولقد بادرنا – في كلية المجتمع – بتنظيم زيارات للطالبات والطلبة منذ العام الماضي، لتعويدهم على اقتناء الكتب، وكتابة تقارير عما شاهدوه، بحيث تُرصد لهم درجاتٌ في المقرر، ضمن النشاطات اللاصفيّة، وأتمنى أن تُبادر جهات التعليم بتنظيم زيارات مماثلة للمدارس والجامعات، وأن يُمنح الطالب درجات على الحضور وكتابة تقارير عن المعرض، وهذا من شأنه أن يُشجع الطالبات والطلبة على اقتناء الكتب، وأيضًا يدعم مهارات الكتابة لديهم. تهتم الدولُ المُتحضرة بمعارض الكتب، وتُخصصُ لها ميزانيات ضخمة، لحرصِها على صناعة الثقافة، وتبادلِ المصالح، لأن صناعة الكتاب أصبحت تجارةً رائجة، في الكتب العامة مثل: الروايات والقصص القصيرة والشعر والعلوم الدينية، وأيضًا تلك الكتب المتخصصة ككُتب المناهج التعليمية. ولقد اشتهر معرض فرانكفورت (في ألمانيا) بعقد صفقات تجارية بين الناشرين وأهل صناعة المطابع والورق، وأيضًا بين الكتّاب وبين دُور النشر، وأيضًا بين مُنتجي أدواتِ صناعة الكتاب. معرض الدوحة للكتاب اهتم أيضًا بثقافة الطفل، ووَفر مساحاتٍ لجلوس الأطفال وممارستهم بعضَ النشاطات الذهنية والفنية. ما يهمُّنا هنا، هو هذا التطوّر الذي تُحتمّه التكنولوجيا، التي تأتي بكل جديد، وضرورة أن تُدخلَ المعلومات إلى الكمبيوتر بصورة صحيحة، بحيث يُسهل ذلك على الموظفين والمتعاونين المتطوعين سرعةَ الردِّ على طلبات الزوار، ويُساعدهم للوصول إلى المعلومات التي يسألون عنها، تماماً كما تقع مسؤوليةٌ مُهمّة على دُور النشر القطرية، في اختيار النصوص الجيدة، والتي تُثري الحِراك الثقافي، وأيضًا تُحقِق الربح. النسخة التاسعة والعشرون من معرض الدوحة الدولي للكتاب واجهةٌ حضارية، لشعبٍ يُريد أن يمنحَ وطنهُ الأفضل، ولن يتأتى ذلك إلّا عن طريق المعرفة، ولن تتحقق هذه المعرفة، إلا عبرَ القراءة، والتمعّن، وقراءة أوراق الزمن بروح عصرية، تُلائِم ذهنيةَ قارئ اليوم، دون أن تُفرّط في الأصالة، وفعلاً جمعَ معرض الدوحة للكتاب، الأصالة والمُعاصرة، فحضر (ديوان العرب) الشعر، وحضرت الرواية، منصّة التعبير الحديثة، وحضرت كتبُ التفسير، وتقنيات عصرية رُفع عليها القرآن الكريم، لتعليم الأطفال التلاوة والتجويد، تماماً كما حضرت ثقافات وفنون من بلدان غير عربية، واتجاهات من نتائج الفكر الإنساني. فشكراً لكُلِّ مَن ساهم في هذا العُرس البهيج.