11 سبتمبر 2025
تسجيل«يمه قوم ارضع»، «في حدا سامعني»، صرخات خرجت من حناجر غزِّية ملأها القهر على حجم اتساع الاحتلال وسنواته، هذه الصرخات خرجت ولم تستنجد بدولة أو بمنظمة حقوقية، بل خرجت على سبيل أمل عبثي لاسترجاع لحظة بعمر الحياة، صداها ارتد بارتداد زلزال بقوة 8 ريختر على ضمير العالم، والمتشدقين زيفاً بحملهم راية حقوق الإنسان، والمصطَفِّين خلف شعارات حقوق الحيوان! ليس سوى للادعاء كذِبا أنهم إنسانيون وهم أبعد أن يكونوا كذلك مسافة سبعين خريفاً. فالحرب الدائرة على غزة منذ السابع من أكتوبر للعام الجاري لم تقر لاختبار إيمان وصبر الغزيين خاصة وفلسطينيي الضفة الغربية والداخل وفي المهجر ودول الشتات عامة بقضيتهم العادلة وسط المتكالبين عليهم وعليها، أو -لا سمح الله- أملاً بتغيير الموازين ولو لمرة وخاصة من قبل الدول التي حضرت بيانات الشجب والإدانة ضد روسيا على ما اقترفته، غير مكتفية بها لإيمانهم بأنها لا تسمن ولا تغني، بل فرضت عليها عقوبات اقتصادية لإظهار حُسن نواياها –التي أشك فيها- والقيام بدورها أمام المجتمع الدولي للتأكيد على حق الشعب الأوكراني في العيش الكريم، بل أتت بتوقيت أراده الله لكشف وتعرية الكيان الصهيوني وحلفائه وإسقاط ورقة التوت الأخيرة التي كانت تستر سوآتهم لإزدواجية المعايير المتبعة لديهم حيال القضايا العربية العادلة والواضحة وضوح الشمس في كبد السماء، وعلى رأسها القضية الفلسطينية الأطول أمداً، والأكثر نزفاً على مدار 75 عاماً، إذ ومنذ أن بدأت الحرب وأصبح الإعلام الغربي وعلى رأسه أعتى القنوات العالمية أمثال الـ(CNN) والـ(BBC) التي كان يتغنى بها أساتذة الإعلام بأن هاتين القناتين نموذجا يحتذى للمصداقية والحياد، يُسوِّق لسردية الكيان الصهيوني انطلاقا من ادعائهم كذبا أنهم شاهدوا رؤوس أطفال إسرائيليين قد فُصلت عن أجسادهم على يد رجال حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، وقد بلغت افتراءاتهم حد أنَّ الأسيرة الإسرائيلية -يوخفد ليفشتز (85 عاماً)- التي أطلق سراحها من الجانب الفلسطيني لظروف صحية، أجبرت على ما قالته من تصريحات عن حسن معاملة لها خلال فترة أسرها !، ولكن بعدما أثارت تصريحاتها ضررا دعائيا على الكيان الصهيوني، خرج نجلها قائلا «إن كان أحد يظن أنه لأنه تم تحرير والدتي فقد أصبحتْ ملكا للدولة وستخدم أجندة جهة ما لصالح غزو غزة أو عدمه، فهذا قانون الغابة.»، ليفند ادعاءات الكيان الصهيوني الذي فقد ثقة مواطنيه القاطنين في الأراضي المحتلة، وفقد ثقة الشعوب الغربية خاصة من الداعمين لإسرائيل. فما أحدثه الكيان الصهيوني كجيش نظامي من مجازر وحشية ترتقي إلى أنها جرائم حرب في قطاع غزة والتي أودت بحياة ـ9488 شهيدا و23 ألفا و516 مصابا لاسيما بعد استهداف بوابة مجمع الشفاء الطبي بالاستناد إلى مدير منظمة الصحة العالمية لوقت كتابة المقال، لا تؤكد على انتصاره سيما وأنَّ ضحايا القصف هم من المدنيين، بل يؤكد ضعف حكومة – بنيامين نتنياهو- وعلى تخبطها، وقد يكون اللعب في الوقت الضائع للحفاظ على ما تبقى من ماء وجهه في أيامه الأخيرة من تواجده في السلطة بعد اخفاقاته المتتالية لتحقيق أي مكسب في هذه الحرب الدائرة، التي جاءت كصفعة على وجه الاحتلال، قالبةً كل الموازين وباتت مقولة «اسرائيل قوة لا تقهر» محل انتقاد وسخرية كل الموالين لإسرائيل، التي لطالما روجت بأنها تملك قوة دفاعية واستخباراتيه لا تخترق، إلا أنَّ تصاعد حدة التلاوم في الأوساط السياسية والأمنية في إسرائيل الأحد الماضي، بشأن المسؤولية عن الإخفاق الأمني وراء الهجوم البري والجوي في عمق المستوطنات الإسرائيلية بعد تغريدة لبنيامين نتنياهو ملقيا باللائمة على أجهزة الأمن والمخابرات، أكدت حجم التوتر والانقسام الدائر في الحكومة، حتى وإن تراجع عنها معتذراً، بعد أن أثارت انتقادات واسعة من جانب السياسيين وقادة الأحزاب وحتى من الداخل الإسرائيلي، إلا أنها تضاف إلى سلسلة إخفاقات حكومته وانتصار طوفان الأقصى، فالانتصار في هذه الحرب غير العادلة لا يقاس بعدد الضحايا، وإنما انتصار يقاس بحجم الخسائر الإسرائيلية الضخمة، بل امتدت إلى كيفية التخطيط والتنفيذ في سرية تامة دون الكشف عنها، على الرغم مما يحيط بقطاع غزة من شبكات تجسس إسرائيلية تكنولوجية وبشرية متنوعة، وامتدت المفاجأة كذلك إلى مدى نجاح حماس في تحقيق أهدافها، ورجوع المئات من مقاتليها إلى غزة ومعهم أكثر من مئتي أسير من الجانب الإسرائيلي، وهذا ليس بحديثي وإنما هذا تحليل ضابط الاستخبارات العسكرية الأمريكي السابق سكوت رايتر خلال حديثه مع الجزيرة نت، الذي قال نصاً « إنَّ حركة حماس قد انتصرت بالفعل بعمليتها المعقدة والمتقدمة في السابع من أكتوبر، وأنه لا يمكن القضاء على حركة حماس كما أعلنت الحكومة الإسرائيلية، وذلك لأن حماس أصبحت رمزا عمليا ومعنويا لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي.» ..وختاماً لابد التأكيد أنَّ حركة حماس أصبحت أكثر من منظمة أو جماعة في صورتها المادية التقليدية، حماس أصبحت مفهوما أوسع لمعنى المقاومة، وبإذن الله «حماس..ستكون القوة التي لا تقهر»، ليس تأليها بل ما شوهد في الميدان من جني المكاسب من مفهوم يؤمن بالشهادة فإنَّ حماس والغزيين كسبوا تأييد غالبية شعوب العالم من لايزال يحمل بداخله ضميرا يقظا يفرق بين الحق والباطل، حماس والغزيون استطاعوا أن يمنحوا الدروس مجاناً في أنَّ ثمن الحرية باهظ ولن يقوى عليه سوى الصادقين، حماس والغزيون أيقظوا جيلا بأكمله لولا ما حدث لكانوا تُبعا منساقين وراء كذبة الحضارة الغربية والحرية التي تخفي وراءها سقوطاً لأبنائنا وبناتنا، غزة أيقظت ضمير العالم.