13 سبتمبر 2025

تسجيل

العرب يودعون الحلم الأمريكي

05 نوفمبر 2013

في مثل هذا الشهر قبل عامين  كنت موجودا وسط مجاميع الأمريكيين الذين افترشوا الشوارع في نيويورك ، فيما يسمى حركة "احتلوا وول ستريت" ، لقد كان  العدد يتضاءل ، ولكن العشرات الموجودين داخل الحديقة  لديهم اعتراضات  لها ما يبررها على السياسات المالية والعسكرية لحكومة واشنطن ، ومجرد قراءة لافتاتهم تفهم أن هناك من يفهم ماذا يريد من حكومته ، ولكن ما لفت نظري  من خلال الصور التي التقطتها بكاميرتي ،  صورتان ، الأولى   كانت العلم المصري  وتحته لافتة تشيد بالثورة المصرية ضد نظام مبارك ، والثانية  رجل يعلق لافتة على ظهره مكتوب عليها  "انتهى الحلم الأمريكي" ، فما الذي حدث بعد عامين؟! عندما يتحد اليمين الأمريكي والجمهوريون ضد سياسات الرئيس باراك أوباما ، فذلك لا يعني أنهم  لا يريدون حروبا في الشرق الأوسط ، بل بالعكس فإن الحروب هي التي تحرك عجلة الاقتصاد بالنسبة للشركات الكبرى المختصة بالسلاح و اقتصاديات الحروب ، ولكنهم  وجدوا في شخص الرئيس نفسه  وجها آخر لا يصلح لأن يكون الرئيس المنشود للقوة العظمى في العالم ، وبرأيهم أن الانكباب على تصحيح الوضع الداخلي ليس من شأنه ، فلا إصلاحات النظام الصحي ولا التأمينات الاجتماعية  هي من أولويات الرئيس كما يفعل أوباما ، لهذا وصل الخلاف داخل المؤسسة الحاكمة الأمريكية  لمنعطف الافتراق  الذي لسع الحكومة الفيدرالية  حين أوقف رواتب موظفيها بما فيهم الرئيس ، وهم سيواجهون امتحانا آخر بعد أسابيع من  مهلة الكونغرس فيما يتعلق بسقف الدين الذي قارب 17 تريليون دولار . وغير بعيد عن وول ستريت  كان هناك مقرّ مجلة "فوربس" الأصلية التي  تصنف استطلاعاتها نفوذ القادة والأغنياء وشخصيات العالم ، وهي التي خرجت بمفاجأة العام 2013 إذ صنفت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين  الشخصية الأقوى للعام ، وبهذا أطاح الدب الروسي بالرئيس الأمريكي المتردد فيما يخص قضايا العالم التي تحتاج إلى أكثر من العمل الدبلوماسي  وبشائر وزير خارجيته جون كيري  خصوصا في امتحان حقوق الإنسان الفعلي في الشرق الأوسط ، حيث تراجع أوباما عن التدخل الجراحي ضد نظام الأسد في سوريا ، والمراوغة فيما يخص الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي الذي يواجه محاكمة اليوم الإثنين صباح مغادرة كيري القاهرة مكملا جولته الشرق أوسطية . الحلم الأمريكي  ماذا يعني  للعرب؟ الجواب هو لا شيء  بنظر الشعوب المقهورة والمسحوقة  والمظلومة ، والجماعات التي تناضل من أجل بروز شخصيتها العربية الحقيقية التي تستمد إيمانها من أنها خير أمة أخرجت للناس ، أو التي تعاني من الظلم والبطش باسم السياسة  والسيادة الوطنية ، أو كما هو حال الفلسطينيين الذين استذكروا  قبل أيام "وعد بلفور" الذي أطلقته بريطانيا ، وحمته ورعته ودعمته أمريكا الرسمية والأهلية اليهودية طيلة عمر الكيان الصهيوني الذي يخوض حروبه ضد الحرب بالسلاح الأمريكي. ولكن في المقابل فإن القيادات العربية لها وجهة نظر أخرى ، ترى أن واشنطن عاصمة الحلم الأمريكي الفيدرالي  شريكا دائما في كل ما يخص القضايا العربية السياسية  والعسكرية ، والمشكلة أن تراجع نفوذ الولايات المتحدة على الحكومات في العالم  لم ينعكس إيجابا على المنطقة العربية ، فالإسرائيليون اليوم باتوا أكثر الشعوب انتقادا للإدارة الأمريكية  والأكثر احتقارا لشخص الرئيس أوباما ، وهم بطبعهم لا يتعاملون  مع الواقع  بكرم الماضي الطويل ، فمجرد قرار أو  تلميح  لا يعجبهم ، يشطبون السيرة التاريخية الداعمة لهم ، فهم يعيشون كالقرّاد على ظهر الحصان ، لا يسمحون له بتحريك ذيله. إن تراجع الدور الأمريكي في المنطقة العربية ، وانكفاء أوروبا على نفسها ، والأزمة الاقتصادية التي تعاني منها القارتان الأمريكية والأوروبية ، والعوامل التي  تدفع بنهوض حركات اليمين في البلدان الأوروبية وفي أمريكا أيضا ، يجب أن يكون حافزا لدى هذه الأمة العربية أن تعيد رسم خارطتها السياسية والاقتصادية من جديد ، وعلى القيادات العربية التي لا تزال تقود بنفس الطريقة القديمة البالية أن تسلخ جلدها القديم  لتعطي روحا جديدة  لدولها كي تستطيع أن تتجاوز هذه المرحلة المحبطة بل والمخزية  وسط عالم  لم يعد يحفل بالتحالفات السياسية والعسكرية ، بل بالتعاون الاقتصادي الذي يدعم الديمقراطية والمشاركة الكاملة للشعوب في تقرير مصير المستقبل الذي  ينتظر أجيالها القادمة ، بعيدا عن الحبل السُري للولايات المتحدة الذي بلع دماءنا  ورمانا عظاما محطمة تحت قصف الأنظمة الاستبدادية التي استفادت من الخلاف العربي العربي الطويل.