20 سبتمبر 2025
تسجيللم يكد المجلس الوطني السوري ينتهي من الإعلان عن تشكيلته الأحد الماضي حتى خرجت المظاهرات المناوئة لنظام الرئيس الأسد في عدة مدن معلنة عن تأييدها له، كما عبرت عدة تنسيقات للثورة السورية وتكوينات وشخصيات سياسية عن دعمها لجهوده، بمن في ذلك الذين لهم بعض الملاحظات عليه، ولعل السرّ وراء هذا التأييد والدعم الشعبيين الكبيرين يكمن فيما يلي: ـ بروز جهة تسعى بجدية لأن تكون معبرة عن الدولة السورية وممثلة لها، وراعية لمصالح أبنائها داخليا وأمام المحافل الدولية، قبالة حكم أسري امتد أكثر من أربعة عقود مثقل بالديكتاتورية والدموية والفساد المالي، حيث أصبح لتكوين المجلس أهمية خاصة قي ظل قيام النظام الأسري السوري الذي يفترض فيه حماية مصالح السوريين والحفاظ عليها بالتصدي للشعب ومواجهة مطالبه السلمية المشروعة بالحديد والنار وسفك دماء المدنيين الأبرياء منه، لمجرد إصرارهم على الصمود في ساحات الاحتجاج عليه دون خوف من آلة بطشه العنيفة. ـ تمكُن أطياف المعارضة من التوحد بعد مخاض عسير، وهو ما يزيد من قوة الصف المناهض لهذا النظام وتماسكه وصموده أمام الجلاد المتوحش على كافة الأصعدة: اللوجستية، والسياسية والإعلامية والدبلوماسية والتكافلية. وتشمل هذه الوحدة: وحدة الداخل والخارج، ووحدة تركيبة الشعب بكافة تكويناتها القومية والدينية والمذهبية، وكافة توجهاتها الفكرية والحزبية وإن كانت بنسبة تجاوزت 75%، وما يحمد للمجلس الوليد تركه الباب مفتوحا لالتحاق بقية الأطياف والمكونات الأخرى في أوقات لاحقة. ـ السعي للحصول على شرعية التمثيل للثورة السورية في المحافل الدولية والتي انطلقت قبل ما يزيد على ستة أشهر، وقدمت آلاف الشهداء والجرحى وعشرات الآلاف من المعتقلين واللاجئين والنازحين. وكانت عدة دول وهيئات دولية وأممية ربطت التعامل مع هذه الثورة والاعتراف بشرعيتها بوجود مثل هذا المجلس كما حدث من قبل في ليبيا. وتأخر هذه الدول والجهات عن الاعتراف بالثورة بعد ذلك سيشكل إحراجا كبيرا لها. كما يمكن عبر هذا المجلس مخاطبة الجهات الحقوقية الدولية ومنظمات حقوق الإنسان لتوثيق جرائم النظام، والسعي لمقاضاته ومحاكمة رموزه المتورطين فيها والتي ترقى لأن تكون جرائم ضد الإنسانية، وتوفير الحماية الدولية للمدنيين وبخاصة بعد أن تمادى دون أن يوجد رادع يردعه عن ممارساته البشعة. ولكن حتى يؤدي هذا المجلس دوره المناط به لابد أن يأخذ بعين الاعتبار عدة أمور أهمها: ـ استكمال تمثيل ما تبقى من أطياف الشعب السوري فيه، حتى لا يبقى خارجه سوى النظام السوري ومن يدور في فلكه، أو الذين هم ينأون بأنفسهم عنه، وبناء الهياكل التنظيمية المنظمة لعملها في أطر ديمقراطية مؤسساتية، والتداول على رئاسته وإدارة لجانه. ـ الانتقال من البيانات الصحفية والتصريحات الكلامية إلى الفعل على الأرض، وتحديدا خدمة الثورة السورية، عبر تحشيد الدعم لها ولقضيتها العادلة، وضمان استمراريتها حتى تحقيق غاياتها المرجوة، وذلك من خلال: توفير صناديق تقدم الدعم المالي لها، وبناء الأطر التكافلية لأسر وأبناء شهدائها ومعتقليها ولاجئيها، وتوفير المنابر الإعلامية التي تنطق بها وتعبر عنها، وحشد الدعم العربي والإقليمي لها، وتمثيلها في المحافل الدولية، ومحاولة كف الأذى عنها من خلال حماية مدنييها وحراكها السلمي، وفضح ممارسات النظام وجرائمه في ظل محاولاته المستميتة لإبقاء ذلك في طي السر والكتمان. أي أن الدور الأساسي للمجلس يتمثل في أن يكون وراء الثورة ساعيا لتحقيق أهدافها، بمعنى: "توظيف جهوده السياسية الخارجية خاصة في نطاق ما يخدم وصوله وراء الثورة إلى أهدافها"، وبقدر ما ينجح في بلوغ ذلك بقدر ما يكون ناجحا في أداء مهمته الراهنة والمستقبلية. ومقابل تأييد الشارع السوري الكبير للمجلس، اعتبره النظام السوري العدو الأول، لذا لم يكن مستغربا أن تشن أبواقه منذ اللحظات الأولى لتشكيله حملات كبيرة عليه نعتته بالخيانة والارتباط بالأجنبي (أمريكا والدول الغربية وإسرائيل) وتنفيذ أجنداته، ورفض تمثيله للشعب، ذلك لأن هذا التشكيل مثّل منعطفا مهما في حراك الثورة، ولأن كانت حركة الاحتجاج على الأرض واستمرارها حتى الآن بعد انكسار حاجز خوف الجماهير كان الخطوة الأولى للثورة، فإن الخطوة الثانية المهمة في هذا الحراك كان هذا المجلس بكل ما سيضطلع به من مهام سياسية كبيرة، وبخاصة أنه يعني عمليا تهيئة البديل السياسي للنظام الذي بدأ يتهاوى. ولقد راهن النظام كثيرا ـ ولا يزال ـ على خلافات المعارضة، واعتبر أن من علامات عدم رشد الثورة اختلافات مناهضيه، باعتبار أن البديل سيكون الأسوأ.. أما الآن ومع توحد المعارضة ضده وتواصل الحراك الشعبي لإسقاطه فقد بات يشعر أن شرعيته الزائفة المزعومة والمبنية على توريث الحكم وانتخابات الحزب الواحد، واستفتاءات رئاسة هرمه التي كان حظي بها الابن وقبله الأب بنسبة تزيد عن 99% قد أصبحت مرفوضة داخليا وخارجيا وتعيش الرمق الأخير من عمرها.