18 سبتمبر 2025
تسجيلللتعامل مع مشكلة توافر الغذاء في عام 2017، نُقلت 18,000 بقرة حلوب إلى قطر عبر الجو للمساعدة في تعزيز الإمدادات الغذائية التي كانت تواجه معوقات بفعل المناخ الصحراوي السائد في البلاد وعدم اليقين الاقتصادي والسياسي في المنطقة، في إطار إستراتيجية طويلة الأجل لتعزيز الأمن الغذائي. وربما بدت هذه الخطوة مبادرةً مفرطةً في التفاؤل، لكن التقدم التكنولوجي أتاح إمكانية توفير بيئة مغطاة رطبة ومعتدلة الحرارة، وحققت التجربة نجاحًا لدرجة أنه بات بإمكان المرء الآن شراء أجبان قطرية. وفي مبادرة مماثلة، استُخدمت مخازن للدواجن المثلجة وتوفيرها للاستهلاك المحلي. ونتيجةً لذلك، حققت قطر الاكتفاء الذاتي في إنتاج الدواجن الطازجة بنسبة 100 ٪. هذه بعض الأمثلة للاستخدامات البارعة للتكنولوجيا والتفكير المبتكر الذي ساعد قطر على أن تتبوأ المرتبة الثانية على قائمة الأمن الغذائي في المنطقة، من خلال البرنامج الوطني للأمن الغذائي، الذي تأسس في عام 2008. ومن بين الأمثلة الأخرى الصوبات الزراعية والزراعة المائية. ففي المناطق المعتدلة الباردة، تُستخدم الصوبات الزراعية في حبس وتعزيز تأثير ضوء الشمس، بينما تعيَّن على الصوبات الزراعية الموجودة في قطر أن تقوم بعكس ذلك. وتستخدم شركة أجريكو القطرية المتخصصة في إنتاج الفاكهة والخضراوات الصوبات الزراعية المصنوعة من البولي كربون للإبقاء على الحرارة عند درجة 28 مئوية، وعادة ما تكون أبرد من درجات الحرارة الخارجية التي تُسجل في فترات النهار بمعدل يتراوح ما بين 10-20 درجة. وتُستخدم تكنولوجيا الزراعة المائية على نطاق واسع في دولة قطر، وهو نظام للزراعة الداخلية لا يحتاج إلى توافر التربة، ويُوظف على نطاق واسع لزراعة مكونات السلطة مثل الطماطم والخس والفلفل، حيث تُزرع النباتات في محاليل مائية غنية بالمغذيات. وتحتاج تكنولوجيا الزراعة المائية، التي تحظى بأهمية خاصة في البيئات الصحراوية، إلى حوالي ثلث كمية المياه المستخدمة في الزراعة التقليدية فقط. وتستخدم دولة قطر مياه «الصرف الصحي المعالجة» بشكل متزايد وتعيد تدويرها واستخدامها في الزراعة بعد معالجتها. وفي حين أن مزارع الألبان والدواجن المغطاة قد تستهلك الطاقة بشكل أكبر، فإن التأثير البيئي لبعض جوانب الثورة الزراعية في قطر منخفض، لا سيما عند مقارنة ذلك مع انخفاض الحاجة إلى استخدام وسائل النقل في ظل تراجع الحاجة إلى استيراد المواد الغذائية. وبالإضافة إلى استخدام كميات أقل من المياه، تستخدم الزراعة المائية مساحة أقل من الأراضي مقارنة بالطرق المكافئة. وتبشر إحدى المبادرات بتقليل الأثر البيئي بشكل أكبر، حيث جرب مشروع غابة الصحراء “The Sahara Forest Project” مجموعةً رائدةً من التقنيات في إطار نظام متكامل. وتستخدم الصوبات الزجاجية مياه البحر لتوفير ظروف باردة ورطبة. وتنتج هذه الصوبات المياه العذبة بنفسها، وترتبط بمحطة للطاقة الشمسية مزودة بوحدة تحلية حرارية. ويركز جزء من المشروع على إعادة الغطاء النباتي للأراضي القاحلة من خلال الري، وتمكين الأرض من أن تصبح مخزنًا للكربون. وقد ساعدت الدولة، من خلال بنك قطر للتنمية، على تعزيز الاكتفاء الذاتي من الغذاء عبر منح القروض الميسرة، والتمويل بدون فائدة للأسر لمساعدتها على بناء صوبات زراعية خاصة بها. كما استثمرت الحكومة بكثافة في تخزين المواد الغذائية عن طريق إنشاء محطة مشروع مرافق ومخازن الأمن الغذائي الإستراتيجية، على موقع مساحته 53 هكتارًا في ميناء حمد، ستوفر مخزونًا يكفي لمدة عامين من الإمدادات الغذائية الأساسية. وهناك قيود يمكن أن تعيق الجهود الرامية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء من بينها أن تقنيات الزراعة المائية ليست مناسبة لجميع المنتجات، ومن هنا تأتي الحاجة إلى تخزين السلع المستوردة. ولا يزال بعض المستهلكين يفضلون المنتجات المتخصصة المستوردة، مثل الأجبان الأوروبية لأنهم يفضلون طعمها. ومن الاعتبارات الهامة في أمثلة الابتكار هذه ضمان استمرارها وتكرارها على نطاق واسع، وذلك لإحداث تأثير كبير من حيث الأمن الغذائي والأسعار المعقولة وانخفاض الواردات. ومن الضروري إظهار فوائد الابتكارات مثل مشروع غابة الصحراء، من خلال العمل مع الجامعات للبحث في التأثير الحقيقي والعائد لهذه المشاريع. وينبغي نشر النتائج في وسائط الإعلام، وذلك للمساعدة في المساءلة ودعم المشاريع المشابهة، كي لا تنتهي هذه المشاريع عن كونها مجرد للاستهلاك الإعلامي بدون نتائج حقيقية على أرض الواقع. ليس هناك شك في أن دولة قطر، التي شهدت نموًا سكانيًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، باتت تتمتع بقدرة أفضل على إطعام مواطنيها ومقاومة الارتفاع العالمي لأسعار الغذاء، حيث تتعامل مع الأمن الغذائي باعتباره جزءًا لا يتجزأ من خططها طويلة الأجل لتحقيق التنمية الاقتصادية.