16 سبتمبر 2025

تسجيل

الإصلاح لا يقوم على القمع

05 سبتمبر 2018

في أحدث إجراءات الاعتقالات التي تجري في المملكة العربية السعودية، تم الإعلان عن اعتقال (الشيخ فيصل بن سلطان آل جهجاه)، شيخ قبيلة (العتيبة)، وهي إحدى أشهر القبائل في المملكة العربية السعودية. هذا ما كشف عنه حساب (معتقلي الرأي)، الذي يُتابع شأن الاعتقالات داخل المملكة. ويُعتبر هذا الاعتقال بمثابة مُنعطف جديد في تطوّر الأحداث في المملكة العربية السعودية، بعد اعتقال أمراء آل سعود، وبعض الوجهاء والتُجار، بدعوى محاربة الفساد، إلى جانب اعتقال شيوخ الدين، ونشطاء الرأي، وبينهم نساء. وحسب جريدة (التايمز) البريطانية، فـ "إن المشكلة التي تواجه السعودية هي أن النظام الجديد قررَ أن الطريقة الوحيدة للإصلاح هي من الأعلى للأسفل، وكان هذا واضحًا من الطريقة التي خفّف من خلالها القيود على قيادة المرأة للسيارة، فالنساء اللاتي كافحن وطالبن بهذا الحق، في السجن، وكأنهن يمثلن تهديدًا على المجتمع". وفي حقيقة الأمر، فإن الإصلاح — في أي مكان — يجب أن يتم بالتشاور والتدرُّج والتسامح، وليس على القمع، خصوصًا في حكمٍ اعتمد على التحالفات القبلية لقيامه، مثل المملكة العربية السعودية. ولأنه لم يتطوّر أيُّ شكل من أشكال المجتمع المدني في هذه البلاد، فإن الولاء ظلَّ — منذ تأسيس الملك عبدالعزيز آل سعود للمملكة وحتى اليوم — للقبيلة، وليس للنظام، رغم المقاربات المادية التي ربطت بعض القبائل بالقصر. وتُعتبر قبيلة (العتيبة)، من أشهر قبائل المملكة وسكنت وسط الجزيرة العربية، من جبال الحجاز الشرقية إلى الحرار، طريق الحج، ونجد من الشمال إلى أطراف الطائف ومكة. وتتحوطهم قبائل: سبيع، مطير، شمّر، حرب، الدواسر، قحطان من الجنوب، وآل مرة من الشرق. ولقد خاضت (العتيبة) معارك طاحنة منذ العام 1066هجرية، نظرًا لكبر عدد أفرادها. المهم في الأمر، أن محاولة النظام في المملكة " استفزاز" القبائل النافذة فيها، لن يكون لصالح النظام، خصوصًا مع التأكيد — كما سبق — على اعتماد النظام على تأييد ومساندة هذه القبائل. وإذا ما أضفنا — إلى هذا العامل الاجتماعي — عاملًا رئيسيًا هو الدين، الذي لا تختلف عليه قبائلُ المملكة، ومنه اعتقال رموز هذا الدين، وهو أمر غريب على سياسة المملكة، بل إن نظام الحُكم قد استمدّ شرعيته من هذا الدين، اعتمادًا على الآية الكريمة " يا أيها الذين آمَنوا أطيعوا الله وأطيعوا رسوله وأُولي الأمر منكم" (النساء — آية 59). وهذا ما شكّل عَقدًا اجتماعيًا ودينيًا أضفى شرعيةً على الحُكم في المملكة، والإخلال بهذا العقد — ضمن التطورات التي تتوالى — يضع النظامَ على محكٍ خطير، قد لا يبتعد عن تفكُّكهِ، وهبّةِ القبائل، لوقف الممارسات " الغريبة" لتوجهات النظام الجديد. ولقد عبّر مغردون عن استيائهم لاعتقال أبرز رجال الدين، مثل: سلمان العودة، عوض القرني، علي العمري، وبعض هؤلاء لهم متابعون على (تويتر) يصلون إلى أكثر من مليوني مُتابع، مع تأثيرهم القوي على المجتمع عبر الإعلام الرسمي. وإذا كانت التهمة التي أُلصقت بهولاء العلماء — كما ورد على لسان محمد آل زلفة، عضو مجلس الشوري، " المعتقلون لهم توجهات إخوانية، ويُشتبه بأنهم تلقوا تعليمات من الشيخ يوسف القرضاوي وحكومة قطر من أجل زعزعة أمن المملكة. (www.alarabitoday.com)، فلماذا سكتَ النظامُ طوال تلك العهود، وسمح لهم باعتلاء المنابر والحديث المتواصل عبر القنوات الرسمية؟ هذا سؤال بسيط، والإجابة عليه تنفي التهمة أو سبب الاعتقال!؟ كما فنّد أحد المهتمين بالشأن الخليجي (سامح راشد)، تلك الإدعاءات مشيرًا إلى أن " الدعاة المعتقلين معروفون بأنهم معارضون للحكومة السعودية، ومن غير المنطقي أن تطلب منهم الحكومة (التهجُّم على قطر).. ولديها جيشٌ من الدعاة يأتمرون بأمرها!) (المصدر السابق). ولقد طالت الاعتقالات — قبل أيام — إمامَ الحرم الدكتور صالح آل طالب، بسبب خطبته عن المُنكرات ووجوب إنكارها على فاعلها. وتم تفسير الخطبة على أنها تحريضٌ ضد التغيّرات الاجتماعية التي فرضَها الحكمُ على المجتمع السعودي. وأكدت مصادر في حساب (معتقلي الرأي) إجراءاتٍ لمحاكمات سرّية للمعتقلين. معروف أن جلّ الاعتقالات قد جرت دون محاكمات عادلة. ولقد دانت (منظمة العفو الدولية) الاحتجاز التعسفي للعديد من المدافعات عن حقوق المرأة في المملكة العربية السعودية، واعتبرت ذلك " أمرًا مُشينًا"! وأشار بيانٌ للمنظمة إلى أنه " وصلت مدة احتجاز ثلاث ناشطات بارزات إلى 100 يوم دون توجيه تُهمٍ إليهن. وأضاف البيان:" إنه لأمر مشين بشكل بالغ أن يكون العديد من المدافعات الشجاعات عن حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية رهنَ الاحتجاز بدون تهمة، لمجرد المجاهرة بمعارضة الظلم." كما دعت مديرة الحملات للشرق الأوسط بمنظمة العفو الدولية (سماح حديد) إلى حشد المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان في كل أنحاء العالم، للاحتجاج خارج سفارات المملكة العربية السعودية، للضغط على السلطات السعودية، لضمان إطلاق سراح المدافعات عن حقوق الإنسان، وجميع سجناء الرأي، الذين تم احتجازهم لمجرد ممارستهم السلمية لحقوقهم الإنسانية في السعودية. (albawaba.com — 23.8.2018 ). نقول: إن فقدان النظام لقاعدتيه (القبيلة والدين) وانفتاحه غير المُقنن والصادم لعادات وتقاليد المجتمع، ضمن حفلات الغناء المختلطة، وحضور النساء المباريات الرياضية، وغيرها، إضافة لحملات الاعتقالات المتكررة، وإحداث انشطارات داخل الأسرة المالكة في المملكة — عبر الاعتقالات والرهان على سلب أموالهم وأوموال التجار والوزراء السابقين — كل ذلك يؤذنُ بحدوث تصدّعات في قصر الحُكم، ولربما انهيارات جديدة تقوّض أركانَ النظام، وتُهيئ البلاد لنموذج جديد، لم يعتده المجتمع، قد لا يكون بعيدًا عن نموذج (داحس والغبراء) أو نموذج (حصن المَصمك)!؟