10 سبتمبر 2025

تسجيل

المقاوم والمقاومة.. الشهادة والبقاء

05 أغسطس 2024

ليست المقاومة مجرد أشخاص أو مجموعات معينة، ولكنها فكرة راسخة في وجدان الشعوب المضطهدة والمظلومة، فحتى عندما تسقط رموز المقاومة وتُقتل، تستمر الفكرة في الاشتعال وتنتقل إلى أجيال جديدة، تلك سنة الحياة وسنة المقاومة ومعنى الفكرة الخالدة أيضا. وفي المقاومة الفلسطينية منذ النكبة 1948 وحتى اليوم دروس وعظات كثيرة عن الفكرة والمعنى، وخلودهما وإن ذهب المقاومون أو تبدلوا أو تغيرت أحوالهم. أسماء كثيرة ظهرت وغابت.. منها ما تسجل بسجل الخالدين رمزاً للفكرة وعنواناً للمقاومة ومنها من غاب.. لأسباب. وفي استشهاد إسماعيل هنية قبل أيام على يد الاحتلال الصهيوني صورة جديدة من صور الحكاية التي تتكرر دائماً على طريق الاغتيالات الصهيونية الغادرة، والأسماء شاهدة؛ غسان كنفاني، وائل زعيتر، محمد يوسف النجار، علي حسن سلامة، خالد نزال، ماجد أبو شرار، خليل الوزير، صلاح خلف، عماد عقل، فتحي الشقاقي، يحيى عياش، عماد أبو سنينة، أبو علي مصطفى، صلاح شحادة، عبدالعزيز الرنتيسي، الشيخ أحمد ياسين.. والقائمة تطول وتستمر حتما حتى التحرير. لكن كل هذه الأسماء، التي توارت اغتيالا تركت وراءها من يحمل الفكرة وقوداً على طريق المقاومة، فعلى سبيل المثال، عندما اغتال الصهاينة الشيخ أحمد ياسين، الأب الروحي لحركة حماس عام 2004 ظن كثيرون أن المقاومة انتهت أو على الأقل تضاءل دورها وفي طريقها للموت، لكن بدلاً من ذلك انتقلت الشعلة إلى تلاميذه وأتباعه، ومنهم إسماعيل هنية، الذي واصل مسيرة المقاومة مع رفاقه ضد الاحتلال، وها هو الآن قد استشهد أيضًا، وأيضا لن تتوقف المقاومة، لأنها ببساطة ليست مجرد أشخاص، بل هي فكرة راسخة في وجدان الشعب الفلسطيني، وعندما يتم اغتيال أبرز رموزها، تظل الفكرة حية وتنتقل إلى أجيال جديدة من المقاومين. وهذا ما يميز المقاومة عن غيرها من الحركات السياسية، فالمقاومة ليست شخصاً أو جماعة محددة، بل هي روح الكفاح والنضال ضد الظلم والاستبداد. وهذه الروح لا تموت بموت قادتها أو رموزها، بل تنتقل إلى غيرهم ليواصلوا المشوار. وهذا ينطبق ليس فقط على المقاومة الفلسطينية، بل على جميع حركات التحرر الوطني والنضال ضد الاستعمار والاحتلال في مختلف أنحاء العالم. فالمقاومة فكرة لا يمكن إخمادها أو القضاء عليها نهائياً، مهما كانت التضحيات والخسائر. وبالتالي فإن أي حركة احتلال كالاحتلال الصهيوني تخطئ كثيراً عندما تظن أنها تقضي على المقاومة عندما تقتل رجلاً أو أكثر من رجالها، لقد جربت حكومات الاحتلال الصهيوني على مدى عقود طويلة من الاحتلال سياسة الاغتيالات المختارة من قبلها بعناية دائما، ونجحت في معظم محاولاتها لكنه نجاح خادع، فالمقاوم أساساً مشروع استشهاد، وهو يعلم تماماً عندما اختار طريقه أنه ذاهب إلى نصره أو حتفه، وإذا كان النصر لابد أنه آت بحضوره أو غيابه فإنه يكون مستعداً لحتفه دون ذلك دائماً، بل ويرجو الشهادة ختاماً لحياته، أما إنجازه الكبير فهو تعزيز فكرة المقاومة لدى من حوله ومن يأتي بعده. درس التاريخ الذي ينبغي أن نتعلمه جميعاً: إن الفكرة هي ما تبقى، وليس الأشخاص. وطالما هناك ظلم واستبداد في هذا العالم، ستظل المقاومة فكرة حية تلهم الشعوب للنضال من أجل الحرية والعدالة. رحم الله الشهيد إسماعيل هنية وكل رفاقه من الشهداء الذين آمنوا بالفكرة وعملوا على تحققها، وضحوا بحيواتهم في سبيلها خلوداً في مقام الشهداء بإذن الله تعالى.