11 سبتمبر 2025

تسجيل

ذهبية إيمان.. الدرس والمعنى

12 أغسطس 2024

دروس الحياة لا تنتهي، يمكننا أن نستخلصها من أبسط وأعظم المواقف والأشياء والبشر في حياتنا. هل نبالغ إن قلنا إن الحياة كلها درس كبير لا يكاد ينتهي؟ لست معجبة بلعبة الملاكمة أو المصارعة أو غيرها من الألعاب القتالية، وأرى أنها من الألعاب العنيفة جدا والتي ربما لا تناسب فكرة الألعاب الأولمبية، رجالا ونساء أيضا، لكنني في هذه النسخة من الألعاب الأولمبية الصيفية والتي تجري أحداثها الآن في باريس تابعت ضمن ما تابعت جانبا من لقاءات تلك اللعبة بعد الضجة الكبيرة التي أثيرت حول اللاعبة الجزائرية إيمان خليف، بعد لقائها باللاعبة الإيطالية إنجيلا كاريني وفوزها عليها خلال ثوانٍ فقط. لم تتغير نظرتي السلبية للعبة نفسها، ولا حتى للزي، غير المحتشم، الذي اعتادت اللاعبات على ارتدائه أثناء اللعب، لكن ما جعلني أستمر في متابعة كل لقاءات إيمان بعد ذلك حملة الإساءة الظالمة التي تعرضت لها اللاعبة والتي شارك فيها إعلاميون كثر وسياسيون عالميون منهم رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني والرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب ومالك منصة «إكس» إيلون ماسك وآخرون كثيرون شككوا بالهوية الجنسية لإيمان واعتبروها رجلا متحولا لأنثى، اعتمادا على بنيتها القوية وملامح شكلها، والتي لا تختلف أساسا عن أي بنية وملامح أخرى لأي لاعبة تمارس هذا النوع من الرياضات العنيفة، رغم كل الدلائل التي تشير إلى عكس ذلك ورغم دفاع اللجنة الأولمبية عنها باعتبارها الجهة المخولة للتأكد من أحوال اللاعبين على هذا الصعيد! الغريب أن معظم هؤلاء المتنمرين ضد إيمان خليف لأسباب تتعلق بجنسها كما قالوا، لم يعترضوا على مهازل حفل افتتاح الأولمبياد والذي كان عبارة عن تعزيز لما يسمى بالمثلية الجنسية وهو ما يؤكد نفاقهم المفضوح وأهدافهم المشبوهة! وإذا أضفنا لهذا التحدي الطارئ والمستجد في حياة الرياضية الشابة تحديا آخر يمكن معرفته من قراءة سيرتها الذاتية التي أشارت لها بعض الصحف والمواقع باعتبارها شابة قروية كانت تبيع الخبز على قارعة الطريق في طفولتها لتساعد أسرتها وتستكمل متطلبات تدريبها الرياضي وشغفها المبكر باللعبة، ندرك أي حلم قد تحقق لها وهي تقف أخيراً على منصة التتويج الأولمبي لتتقلد الذهب بعد رحلة طويلة من التعب ومواجهة التنمر المؤذي! إنجاز إيمان خليف إذن لم يكن مجرد الحصول على ميدالية ذهبية، بل كان النجاح في المواجهة والتحدي الفردي وكسر القوالب النمطية التي حاول كثيرون بكل قسوة فرضها عليها بلا مبرر حقيقي غير توكيد أحكامهم المسبقة عليها لأغراضهم السياسية أو الإعلامية أو الشخصية! لقد أثبتت إيمان أن المرء قادر على مواجهة العالم كله إن تحلى بالإرادة والصبر والمثابرة، وأن المرأة تستطيع أن تنجز ما هو خارج عن المألوف والتقليدي إن آمنت بقدراتها ولم تخجل من اختلافها، إن وجد، فبهذا الاختلاف يمكن للعالم أن يتسع نحو مزيد من الثراء الإنساني! وفي الوقت ذاته، فإن إنجاز إيمان يمثل انتصاراً لكل فئات المجتمع المهمشة والمضطهدة، وأولئك الذين يواجهون التمييز على أساس العرق أو اللون أو الأصل. فالفوز بهذه الجائزة المرموقة يؤكد أن المبدعين والمبدعات من كافة الخلفيات قادرون على التألق متى أتيحت لهم الفرص المناسبة. قصة إيمان إذن قصة ملهمة لكل الأفراد المهمشين الذين يطمحون لتحقيق إنجازات على مسار الأحلام الكبرى، وليست مجرد قصة فتاة فازت بميدالية ذهبية في لعبة المصارعة.. لقد صارعت إيمان، وهي تصارع منافساتها وتفوز عليهن الواحدة تلو الأخرى وصولا للقمة، كل الأفكار السلبية المحبطة التي قد تعيق المرء عن تحقيق حلمه مهما كان حجم هذا الحلم. نعم.. علينا مصارعة الحياة بكل قوة لتحقيق أحلامنا أو ربما الموت دونها.. فشرف المحاولة يستحق!