10 سبتمبر 2025
تسجيلاحتفاء مذهل بالصورة الرمزية التقليدية لفرنسا من خلال تجسيد تاريخها وتراثها وثقافتها وفنونها وآدابها؛ (الثورة الفرنسية، بناء برج إيڤل، رواية البؤساء، كنيسة نوتردام، متحف اللوفر ومقتنياته، صناعة الموضة، الأزياء والحقائب… إلخ)، بالإضافة إلى مفاهيم ثورتها؛ (الحرية، الإخاء، المساواة).. وحفاوة بالأسماء والرموز الفرنسية التي صنعت كل هذا، لتكون رسائل مدهشة في إيجازها وجمالها وبساطتها أيضاً بدأ بها حفل افتتاح الألعاب الأولمبية في باريس بنسخة 2024، بعد أن خطف المنظمون الأبصار وهم يروون كل ذلك بالصوت والصورة والحركة والألوان على هامشي نهر السين وتحت رذاذ المطر في يوم باريسي تقليدي، بسردية جميلة بل وساحرة لم تكد تفلت شيئا يذكر بفرنسا في الوجدان إلا وأثارته برمزية خاطفة. لكن ما الذي حدث بعد ذلك؟ سرعان ما تهاوى قناع الجمال الأخاذ لتنكشف سوءة فرنسا بصلافتها الطاغية، فبعد أن بدأ الحفل صورة للسحر الفرنسي في واقع الموضة والروايات والعطور والقصائد والحرية والإخاء والمساواة، انتهى لأن يكون حفلاً للشذوذ والقبح والاعتداء على قيم العائلة وقدسية الأديان. تجلى ذلك في أكثر من مشهد أوضحها مشهد مجموعة من الشواذ مثلوا لوحة دافنشي الشهيرة «العشاء الأخير»، والتي تصور وفق رؤية دافنشي المسيح مع حوارييه، لكن مصممي المشهد تجاوزوا الصورة القدسية للوحة بأبشع ما يمكن تخيله، حتى تحول المشهد كله إلى تعزيز لما يسمى بالمثلية والترويج لاضطراب التحرّش الجنسي بالأطفال (البيدوفيليا). وكل هذا باسم الرياضة واسم الألعاب الأولمبية. وتوالت بعد هذا المشهد مشاهد أخرى استدعت سرديات دينية تتعلق بفكرة الدين تحديدا لتعيد إنتاجها بسخرية وامتهان، ثم تعدت على فكرة المساواة، والتي هي واحدة من ثلاثية الثورة الفرنسية، لتلغي دور المرأة المساوي لدور الرجل وفق الأدبيات الخالدة لتلك الثورة، فنجد أن من حمل شعلة الأولمبياد رجلان أحدهما طبيعي والآخر متحول لمسخ امرأة! وهنا مفارقة.. باريس التي روجت صورتها تاريخياً كعاصمة للنور والثقافة والجمال والمساواة حتى النسوية تنتهي لأن تكون بهذه الصورة المسخ. من الواضح أن باريس بهذا الاستغلال غير الأخلاقي لحفل الافتتاح خالفت مبادئ الحركة الأولمبية نفسها، التي تنص على أهمية «التحلي بالقيمة التربوية للقدوة الحسنة، واحترام المبادئ الأخلاقية الأساسية العالمية»، وبالتالي ينبغي على الدول المشاركة (غير الموافقة على هذا الاستغلال) أن تتخذ موقفاً جماعياً ضد ما حدث.. أو الانسحاب الفردي، بعد أن وصل بنا الأمر إلى الخجل من متابعة الأولمبياد بصحبة الصغار! تشارك في أولمبياد باريس 200 دولة، ربعها تقريباً دول إسلامية وعربية. وبلا شك فإن انسحاب ربع المشاركين من الأولمبياد سيساهم في فشله ويوصل رسالة أخلاقية للعالم كله. في كأس العالم لكرة القدم 2022 الذي أقيم في دولة قطر احتجت بعض الدول على سياسة المنظمين القطريين بمنع مظاهر الشذوذ والابتذال في الملاعب، ووصل الأمر لأن تُظهر بعض المنتخبات احتجاجها في مبارياتها على تلك السياسة، كما فعل المنتخب الألماني الذي بدأ أولى مبارياته في بوضعية أشار فيها إلى تكميم الأفواه! بالإضافة إلى الهجمة الإعلامية العالمية ضد »المونديال» بنسخته القطرية يومها لذلك السبب، على الرغم من أن ما فعلته قطر هو الطبيعي، وهو في نفس الوقت لا يتنافى مع ميثاق كأس العالم ولا سياسات الفيفا.. بل كان تعزيزاً لتلك السياسات واحتراماً لقيم العائلة في العالم كله. وهو ما اكسب تلك النسخة من البطولة احترام الكثيرين حول العالم! والآن.. لم نرصد أي احتجاج من قبل الدول المشاركة في الألعاب الأولمبية في فرنسا رغم مخالفته لميثاق الأولمبياد وإهانته لكل القيم الدينية والأخلاقية في حفل الافتتاح. فما الذي يحدث في هذا العالم؟ وإلى أين يتجه بنا قطار القيم؟!