13 سبتمبر 2025
تسجيلتؤثث عائشة بنت جاسم الكواري مكاناً قصيّا من الحروف، كتابةً، ومكتبة، ومكاتيب، في مبادرة لفتح باب علاقة جيدة مع الحياة، فتهطل بما تفترضه الذاكرة من وعي، وجمال، وحنين، وأصدقاء، وطفولة، وملامح عمر. عبر كتاب أنيق صادق و»عفوي» شكلاً ومضموناً، أصدرته دار روزا بعنوان: (مذكرات بنت جاسم) تستفتح كتابها: (تركتها لكم على منضدة الحياة) وتشير إلى أنه أشبه ببوح، أو مذكرات، أو يوميات، أو أفكار. ثم تترك الخيار لقرائها: (سمّوها ما شئتم). الكتاب حوار مع الحياة مبني على التفاؤل، وعدم الشكوى، أساسه القوة الهادئة لا المتحدية، الصبر المبتسم لا المتذمر، الإيمان المطلق بقوة الفكرة. نستوقف العنوان قليلاً: (مذكرات بنت جاسم) لندرك ذلك الاعتزاز العظيم بوالدها إلى الدرجة التي استغنت فيه عن اسمها واكتفت بصفتها ابنة له. مذابة في تاريخه، كأنما تقول: ما أنا إلا نتاج أبي وهذه الأفكار كلها مستقاة منه. تستشعر صوته في كل حرف خطته، وكل لحظة تأملت فيها الحياة. تنطلق الكاتبة مع حلمها الذي ارتكز عليه عملها الثقافي، فكتبت تحت عنوان: (من حالمة الى ناشرة) عن الفكرة التي رفرفت في خيالها عام 2013 وتحولت إلى واقع بعد ثلاث سنوات وتمثلت في دار نشر دافئة وحية استقطبت الأقلام القطرية والعربية بتفوق. تكتب عائشة عن طعم (القهوة) وقدرة الإنسان على تذوقها باستمتاع رغم مرارتها باشتراطات الظروف والحالة والصديق التي تحدد طعم القهوة كما تحدد طعم الحياة، فقد تضع لك الصدف مكعب سكر في فنجانك المر من حيث لا تعلم. وتوصي الكاتبة قارئها: (تنفس بعمق) وتأكد أن مصادر تغيير الحياة تكمن بداخلك ثم تتأمل أولئك العابرين الذين يُحدثون تغييراً في حياتك وأنت لا تعرفهم، أبناء الصدفة الذين يمرون في العمر مرة واحدة لا تتكرر، يلقون كلمة تغير الحياة، ولا يطلبون ثمناً لنصيحتهم. عجوز صادقة، طفل عابر، شيخ طاعن في السن، فقير على قارعة طريق. أشبه باستدعاء لتلك القصص الكثيرة التي مرت بالجميع وتركت في حياة كل منا. أثراً لا يُمحى. تتحدث الكاتبة عن إنسان يحرص أن تكون مشاعره ملفوفة بعناية. إلى الدرجة التي تجعلها تختنق حتى تشبه من حولنا!. هل من الواجب أن نزيف أحلامنا او نجري لها عمليات تجميل حتى تشبه الآخرين إلى الحد الذي تصبح فيه آراؤنا لا تشبهنا ولا تمثلنا. حتى نضيع من ذواتنا ونكون: نحن الآخر.. لا نحن نحن!. تكتب (من زاوية اخرى) عمّن يريدون العالم ان يكون نسخة طبق الاصل من تصرفاتهم وآرائهم وافكارهم. ثم توصي: تمسك بأحلامك كما هي، احرص ان تُشبه نفسك وألا تزيف حضورك. تذهب عائشة إلى استحضار بعض علب حلوى الطفولة الزاهية، المزخرفة المزركشة الجذابة المخادعة التي قد تحوي سموماً غذائية، وما تلك الألوان سوى حيلة لاستدراج براءة الطفولة. لنستخلص عبارة: لا تضلل الناس بخطط مزركشة! وأكاد أقول أن البطولة في كتاب عائشة كانت للفكرة أولاً، وللحالة الإيجابية ثانيا، فهو مكتوب بقلم التفاؤل. وأسلوب سهل سلس استغنت فيه المؤلفة عن إدهاشات التصاوير البلاغية لتذهب مباشرة إلى المهم من تفاصيل الحياة والناس وطبائعم فتكتب عن (الشكائين) الذين يرون الحياة سوداء او رمادية ويريدون منا ان نطالع الحياة من خلالهم. وأن نستعير عيونهم، بينما الأصل أن نقرأ العالم بعيوننا لا بعيون مستعارة!. رغم ذلك.. توصي الكاتبة بجانب من «التنازل» فإن الحياة بالتنازل تصبح أخف حملاً، التنازل عن بعض القرارات، التنازل عن بعض الاصدقاء الفائضين عن الحاجة المرهقين في علاقاتهم، التنازل عن بعض متطلبات الهوى وفق لمبدأ: (من ترك شئيا لله عوضه الله خيراً منه). عائشة الكواري هي كما تصف نفسها: (السيدة الاسفنجة) الصديقة المستمعة، الروح المستمتعة بتجليات الصديقات، الماسحة دموعهن بمنديل ابتسامتها، التي اختارت الورق صديقاً. ما كتبته وما كتمته. استدراجاً لتلك الاكتمالات الأجمل والاعتمالات الأجل. تكتب كأنما تستدرج الغمام، كأنما ترفرف بالحمام بكل أجنحة الجمال. تفيض بتجربة حياة، تجربة عمل، تجربة إعلام، ومغامرة تأسيس عمل ثقافي مميز تؤكد نجاحاتها على أرض الواقع، تكتب عن ضياع الهوية في الحياة الافتراضية حين يختلط الواقع بالوهم وعن الخواء الفكري والكلام البلاستيكي غير القابل للهضم عن سرقة اللحظات الحقيقية عن البريق الكاذب عندما يركض خلفه من يعتقد أن كل ما يلمع ذهبا. كتاب هو عبارة عن معالجات ناجحة لتفاصيل الروح وتقلبات النفس، باعتبار أن على الإنسان أن يتعامل مع حياته على أنها «مشروع» وهو يحدد مستقبل هذا المشروع: الفشل والانهيار، ام التفوق والنجاح ومن هنا يفهم المرء أهمية ادارة حياته وتقييم أدائه. وتتمثل الكاتبة من خلال سفرها الكثير في رحلات القطار كمحطات عمر، وعن المحطة الأخيرة في كل رحلة وعن رحلة السفر الاخيرة، وتؤكد القطار لا يفوت احدا بل نحن الذين نهمل في الانتظار ونتأخر عن مواعيده. وتكتب عن حلاوة الدنيا المخبوءة في مرارتها كما اختصرتها عبارة: (حلاها شقاها) ثم تختم كتابها بعبارة: ولنا في الصمت حكاية عائشة الكواري. ليست حياة افتراضية بل حروف حقيقية تتآلف وتبتسم للعمر بوجه طفل، وصوت حكيم، وثقة مبدع.