10 سبتمبر 2025
تسجيلأتاني أحد الأصدقاء قائلاً: أعتقد أن علاقة السعودية والإمارات تزداد قوة ومتانة أكثر، ولقد توجا هذه العلاقة المتميزة، في يونيو 2018، بإنشاء مجلس تنسيقي لتشكيل وحدة سياسية تامة بين البلدين، يهدف إلى التنسيق والتشاور في جميع المجالات ذات الاهتمام المشترك. قلت لهذا الصديق إن أوهن علاقات بين دول الخليج هي علاقة الإمارات، وبخاصة إمارة أبوظبي، مع السعودية، ولو يعملان ألف مجلس تنسيقي بينهما فإن الصراع بين السعودية والإمارات سيظل قائماً ولن ينتهي إلا بالقضاء على آل سعود والسعودية. إن الصراع، يا صديقي العزيز، بين أبوظبي والسعودية بدأ منذ أن طمعت الدولة السعودية الأولى في الحصول لها على منفذ يطل على بحر العرب. وطبعاً بدأ آل سعود غزوهم لتلك المناطق، وكما جرت عليه العادة، بحجة نشر مبادئ دعوتهم الوهابية. تحرك جيش آل سعود باتجاه واحة البريمي بهدف جعلها مركزاً لانطلاق غزوهم لعمان. وفي 1799 قام عبدالعزيز بن محمد آل سعود بإرسال قائده إبراهيم بن عفيصان لغزو واحة البريمي، وتمكن جيش آل سعود من إحراز النصر على قبيلة بني ياس. وقام ابن عفيصان بتشكيل قوات من تلك القبائل لمهاجمة عمان. وفي 1807 تم استبدال ابن عفيصان بمطلق المطيري، الذي قام، في 1809، بتوقيع اتفاقية مع القائد الإنجليزي ليونيل سميث تنص على عدم التعرض للإنجليز وسفنهم أو رعاياهم، وأيدت هذه الاتفاقية من الدرعية، مع فتوى دينية بأن الإنجليز أهل كتاب وجهادهم غير واجب على المسلمين. وبعد توقيع هذه الاتفاقية تقدم نحو عمان، التي دخل أهلها في الإسلام قبل أن يسلم أهل مكة. وقام مطلق، وكما هي عادة جيوش آل سعود، بأعمال السلب والنهب والقتل لدرجة أنه أباد أهل قرى بأكملها، وحتى المكتبات لم تسلم من حرقها وإتلاف محتوياتها. وفي 1813 طلب سعيد بن سلطان من إحدى القبائل العمانية التصدي لجيش آل سعود. وفعلاً وقعت معركة الواصل (ولاية بدية) وقتل مطلق وأبيد جيش آل سعود. وبعدها بخمس سنوات تم القضاء على الدولة السعودية الأولى من قبل العثمانيين. قام آل سعود، بعد مغادرة الجيش العثماني الأراضي النجدية، بإعادة بناء دولتهم من جديد (الدولة السعودية الثانية). ولكن رب العالمين أشغلهم بأنفسهم، وكثرت الصراعات الداخلية فيما بين أمراء آل سعود لحكم نجد. ومع وصول عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، في 1902، إلى حكم نجد وجدنا أن الدولة السعودية الثالثة قامت بالاستيلاء على الإحساء والحجاز وترغب في التوسع شرقاً باتجاه عمان. ولكن الإنجليز، الذين دعموا آل سعود في بناء دولته، كانوا حريصين على مقاومة أي امتداد سعودي جديد في اتجاه أرض عمان، ومن ضمنها مشيخات ساحل عمان. ولكن بوجود مطامع آل سعود التي لا تنتهي في أراضي الغير، وجدنا أن الخلاف على البريمي وخور العديد بدأت تشتد مرة أخرى بعد الحرب العالمية الثانية، وبخاصة بعد ظهور مؤشرات قوية بوجود النفط في أبوظبي وعمان. وطالبت السعودية حقها بملكية البريمي والشريط البحري بين قطر وأبوظبي والمتمثل بخور العديد. وفي عام 1949 قام عبدالعزيز آل سعود بإرسال بعض مهندسي شركة الزيت العربية الأمريكية (ارامكو) للتنقيب في واحة البريمي. طالب الإنجليز، نيابة عن أبوظبي ومسقط، بوقف التنقيب، فقام عبدالعزيز باستدعاء مهندسي أرامكو، ولكنه في نفس الوقت قام بتحريك القبائل الموالية له في البريمي (غالبيتهم من الكعبان والنعيم والشوامس)، فقاموا بما يعرف بانتفاضة 1950 التي تطالب الإنجليز بعدم التدخل في شئون المناطق السعودية. فقامت بريطانيا والقوات العمانية بإخماد تلك الانتفاضة. لم يعجب عبدالعزيز هذا التصرف من الإنجليز، فقام، في 1952، بالاستيلاء على البريمي يسانده في ذلك الأمريكان. وفي 1954 قامت قوات من عمان ومن مشيخة أبوظبي بقيادة ضباط بريطانيين وبدعم من الطيران الإنجليزي باستعادة البريمي من السعودية. وبدأت تلوح في الأفق حرب مباشرة، وليس بالوكالة، بين الإنجليز والأمريكان إلا أن الطرفين توصلا، في يوليو 1954، إلى اتفاق بأن ينقب الإنجليز عن البترول في القسم الشمالي من الواحة في حين ينقب الأمريكيون عنه في القسم الجنوبي من الواحة. واستمر الصراع الخفي على البريمي بين ثلاث جهات وهي سلطنة عمان ومشيخة أبوظبي يساندهم الإنجليز، والسعودية وتساندها أمريكا. وقبل خروج بريطانيا من الخليج، في 1971، تم الاتفاق على إلحاق ثلاث قرى من قرى البريمي لسلطنة عمان، وست قرى أخرى لأبوظبي. وعندما أراد زايد آل نهيان، بمشاوراته مع إخوانه من حكام دول الخليج العربية، إقامة الاتحاد التساعي قامت السعودية، لخوفها من وحدة هذه الإمارات، بتفكيك الاتحاد وجعلته سباعياً. أدرك زايد أنه بحاجة إلى الاعتراف السعودي بالاتحاد، فأجبرته السعودية على توقيع اتفاقية جدة 1974 والتي بموجبها اعترفت السعودية بالاتحاد الإماراتي وتنازلت عن بعض مناطق البريمي، وفي المقابل اعترفت أبوظبي بأحقية السعودية في منطقة خور العديد، مضحية بذلك بهمزة الوصل البرية الوحيدة بين الإمارات وقطر، ومتنازلة عن 60 % من حقل "شيبة" الضخم (الآن 80 % من الحقل يقع في السعودية ومن يملك هذه النسبة يتحكم في الحقل). ظلت هذه الاتفاقية سرية حتى عام 1995. ذكرنا، في مقال سابق، أن شخصا ظبيانيا تمت دعوته إلى أمريكا في 1989، وعرض عليه في الاجتماع الذي عقد بالمحفل الماسوني، أن يكون قائداً للخليج بعد القضاء على السعودية، وقيادتها المترهلة. مع أن زايد كان حريصاً طيلة حياته على عدم إثارة الأزمة مع السعودية، إلا أن الظبياني أثر عليه، مما قاد الإمارات، في 1999، لمقاطعة مؤتمر وزراء الخارجية والنفط لدول مجلس التعاون الخليجي في السعودية، والذي عقد بالتزامن مع تدشين حقل الشيبة النفطي. وبعد وفاة زايد، وفي أول زيارة للرئيس الإماراتي الجديد، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان للسعودية (ديسمبر 2004)، وبتحريض من الظبياني، أثير موضوع إلغاء اتفاقية جدة 1974 حيث ينظر إليها الجانب الإماراتي بأنها اتفاقية ظالمة وقعها زايد في ظروف استثنائية. وجاء الجواب سريعاً من سلطان بن عبدالعزيز بشكل تأنيب شديد اللهجة متهماً الإمارات، "التي نصف سكانها من الإيرانيين أو ذوي الأصول الإيرانية"، بإثارة "نزاعات صبيانية"، وأن موضوع البريمي وخور العديد وحقل الشيبة قد أغلق نهائياً. وظن الظبياني أن علاقته مع أمريكا تسمح للإمارات باللعب كدولة عظمى، فقام بإثارة الموضوع في مناسبة أخرى مع نايف بن عبدالعزيز الرجل العسكري الذي لم يكتف برفض فتح الموضوع للنقاش، بل طلب من الظبياني أن يكلمه وهو جالس على الأرض، وبعد ذلك قام بإنهاء اللقاء. غير الظبياني من مخططه وأصبح بدلاً من المطالبة بإلغاء اتفاقية 1974 يسعى حثيثاً للقضاء على السعودية من الداخل. فقام بشراء ذمم كل من يحيط بالملك عبدالله بن عبدالعزيز، وبه أصبحت السعودية تنقاد بأوامر أبوظبي. وجاء سلمان بن عبدالعزيز وقضى على نفوذ الظبياني في السعودية، ولكن سرعان ما أمسك الظبياني بالخيوط من جديد، وأصبحت السعودية مضطرة للاستسلام لمخططات أبوظبي. وهذه هي الخطوة التي أعتقد أنه على أساسها سوف يتم القضاء على السعودية وعلى آل سعود. وفي الختام أقول لك يا صديقي العزيز إنه من المستحيل، بعد 57 معركة فيما بينهما، أن تكون علاقة السعودية والإمارات قوية كما تتخيلها. ولكن ربما كلامك فيه من الصحة الشيء الكثير إذا كان المجلس التنسيقي فيما بينهما أسس بهدف إدارة الدسائس والمكائد لكل من يدين بالإسلام السني الصحيح. إن الظبياني يسعى، بكل قوة، إلى رد الإهانات العديدة التي تعرض لها من أمراء آل سعود، ولن يستكين إلا بعد القضاء على السعودية وعلى آل سعود. والله من وراء القصد،،