12 سبتمبر 2025
تسجيليعاني الشرق الأوسط من موجة حرّ غير مسبوقة، وهي تأتي متزامنة مع تغيّرات مناخية تجتاح العالم هذا الصيف أدت إلى عدد من الكوارث، كان بعضها من نصيب دول فقيرة منهكة، يعاني جزء من أهلها أصلا من الاستهداف والتمييز والإقصاء والمجازر، كما هو حال في مسلمي الروهينجا ببورما (ميانمار). أمطار غزيرة وانهيارات أرضية شمال شرق الهند، وفيضانات وانزلاقات تربة وعواصف في بورما، وحرائق غابات في بولاية كاليفورنيا بسبب الجفاف الشديد الذي أدى إلى اشتعال النيران في الأعشاب، وارتفاع حرارة تصل درجتها في إيران إلى 72، وارتفاع درجة الحرارة وعواصف غبار في الأردن، فضلا عن ارتفاع جنوني في الحرارة بالعراق وفي سوريا وبلاد الشام بما في ذلك غزة ودول الخليج. وإذا كانت الكوارث تخلِّف آثاراً مزعجة على الشعوب المستقرّة فإن تأثيراتها على الشعوب التي تعاني من الفقر الشديد والبنى التحتية الهشّة، ومن الأوضاع الاستثنائية كالنزوح واللجوء والحروب تكون أكبر بكثير، وهذا ما بدا من استغاثات مسلمي أقلية الروهينجا بسبب الفيضانات الأخيرة، الناتجة عن إعصار كومين، لأنّ من بين المناطق المتضررة ولايتي "تشين" و"أراكان"، فبعد حملة تطهير ممنهجة لوجودهم في البلاد تأتي الفيضانات لتقضي على ما تبقى من أشباه منازل تساعدهم على البقاء في أرضهم، وقد أفادت التقارير بتضرر 2500 شخص في شرق ولاية أراكان، كما توفي 52 طفلا من النازحين العراقيين خلال الأسابيع الماضية بسبب ارتفاع درجات الحرارة، فيما تحدثت الأنباء عن وفاة طفلين وحالات اختناق بين اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري بالأردن جراء العاصفة الرملية التي لم تشهد المنطقة لها مثيلا منذ عقود. وإذا كانت عمليات الإغاثة من وجهة نظر الأديان السماوية والقوانين الدولية الإنسانية ينبغي ألا تعاني من التمييز على أساس الدين أو اللون أو العرق، فإنّ من المؤلم أن يحدث هذا لمسلمي الروهينجا، وقد عبّر عن ذلك نشطاء من هذه الأقلية بحسب تقرير نشره موقع "الجزيرة نت" ومن هذه التغريدات على موقع تويتر ما ورد في حساب (أمونة الأركانية) أن هناك سؤالا يسأل قبل إنقاذ الإنسان والحيوان "هل أنت بوذي؟ سؤال يطرح عليك قبل إنقاذك، أنت في دائرة إنقاذنا ما دمت على ملتنا"، في إشارة إلى عنصرية وطائفية البوذيين وحكومة ميانمار، وتتابع في تغريدة ثانية "الحكومة البورمية تقدّم مساعداتها للمتضررين البوذيين دونا عن الروهينجا"، وهذا الأمر قد يتعرض له لاجئون في مناطق أخرى بحكم تنامي النزعة الطائفية والمذهبية في منطقتنا مع الأسف الشديد. كنّا نظن أنّ فصل الشتاء ببرده القارس وأمطاره الغزيرة هو التحدي الذي يجب الانتباه إليه فيما يخص اللاجئين والنازحين السوريين ومن هم على شاكلتهم في منطقتنا، نظرا لما يتسبب به من موت بعض الأشخاص خصوصا الأطفال والشيوخ، وكانت الحملات الإغاثية لمنظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية تركز عليه، أما الآن ومع تواصل التغيرات المناخية وازدياد وتيرتها فإن عيونهم ينبغي أن تكون مفتوحة على غضب الطبيعة في كل الفصول وبخاصة الشتاء والصيف، توقعا لحدوث كوارث طبيعية بسبب ارتفاع الحرارة والجفاف والفيضانات وغيرها، حتى لا تتكالب المصائب من كل حدب وصوب على الفئات الضعيفة وتلك التي تعاني أساسا من أوضاع استثنائية. وإذا كان من طبيعية الإنسان أن يتضجر من موجات الحرّ ومن عواصف الغبار، فإن على الذين يعيشون ظروفا طبيعية في بيوتهم وبين أهليهم أن يتذكروا أن هناك من هم أسوء حالا منهم في مثل هذه الظروف، لكي يصبّروا أنفسهم على أقدار الله وإفرازات التغيّرات المناخية، أما الذين عافاهم الله تماما من وطأة هذه التغيرات فإنّ عليهم أن يشكروا على ذلك، وشكر النعمة يكون بتذكر حال إخوانهم، خصوصا ممن اجتمعت عليهم همّوم الكوارث ومصائب الحروب والتمييز والتهجير أو اللجوء والنزوح وانعدام الأمن وغياب المسكن، ومن ثمّ تقديم الدعم المادي والمعنوي لهم، والتطوع لصالحهم، والمسارعة لإغاثتهم بقدر الإمكان. أما بخصوص الغالبية من الأنظمة العربية وأنظمة العالم المتحضر والموزعين بين غير مبالٍ بتواصل أزمات المنطقة أو مؤثر لمصالحه الخاصة على واجباته الإنسانية، فعليهم أن يقفوا أمام مسؤولياتهم الأخلاقية وهم يرون اجتماع المصائب على شعوب وفئات تعاني أصلا من الظلم والقهر والاستبداد والفقر والتخلف والحروب والاقتتال، وأن يعملوا بإخلاص لإيجاد حلول لهذه الأزمات التي طال أمدها.