16 سبتمبر 2025
تسجيلالاضطرابات المناخية التي يشهدها كوكب الأرض من سيول وفيضانات وعواصف رملية تؤكد وجود اختلال في الظروف المناخية، فقد عجزت المجموعة الدولية عن البدء باتخاذ إجراءات فاعلة ومرنة للحد من التفاعل الصناعي تجاه الحياة على الكوكب. قبل أيام، تسببت العواصف الرملية التي اجتاحت الأردن في توقف حركة الملاحة الجوية، وموجات الاحترار التي شهدتها دول عربية وخليجية بلغت أعلاها 70 درجة مئوية، وامتدت موجاتها الحارة إلى أوروبا وأسبانيا وبريطانيا وفرنسا، والانهيارات الطينية التي عصفت بميانمار ، وفيضانات بورما، وحرائق الغابات في كاليفورنيا التي امتدت لتحصد الأخضر واليابس بفعل الجفاف. كل تلك المتغيرات يعللها خبراء المناخ بأنّ 13% منها مصدرها الطبيعة، في حين يتحمل الإنسان مسؤولية 87% من الأسباب المؤدية إلى تفاقمها. كما توقع البنك الدولي أن يشهد الكوكب ارتفاعاً في درجات الحرارة ونقصاً في الأمطار وانتشاراً لظاهرة الجفاف والتصحر. فالاختلال في النظام المناخي بات ظاهرة مقلقة لواضعي السياسات الاقتصادية والبيئية، لأنه يهدد إنتاجيات الزراعة والتجارة والسياحة، أضف إلى أنّ السياسات الصناعية القائمة أضرت بالبيئة، وحولتها من كونها بيئة آمنة صحية إلى مسبب للأضرار . لقد تباطأ المعنيون وصناع القرار في العالم في اتخاذ خطوات فاعلة نحو التغير المناخي، والتي بدأت تطفو تأثيراتها السلبية على السطح، وبات من الصعب اليوم تجنب آثارها أو الحد منها. المتابع للأحداث الجارية، فإنّ المنظمات الدولية تبذل جهوداً جبارة للحد من الخسائر الاقتصادية والبشرية التي تسبب فيها التغير، والتي أودت بحياة الكثير من التجمعات البشرية بين انهيارات أرضية وزلازل وفيضانات نجم عنها خسائر هائلة. وانعكس اختلال النظام المناخي على حياة الكائنات الحية التي باتت هي الأخرى مهددة بالانقراض. ويوجه اللوم للصناعة الحديثة التي تسببت في اتساع الفجوة بين البيئة الصحية والاتساع الصناعي، وأبعدتنا عن الحلول . فقد تعهدت الدول قبل 20 عاماً بتقليل الارتفاع في الانبعاثات الحرارية من جراء الأنشطة الصناعية، ولكنها لم تف ِ بعهودها ، فيما حذر الخبراء من تفاقم تلك التأثيرات، وهذا هو السبب في تعرض الأرض للعديد من الكوارث الطبيعية والجفاف. وبرزت إلى السطح الخلافات في المفاوضات حول كيفية الحد من تلك التأثيرات، خاصة ً الهوة بين الدول الصناعية والدول البيئية والزراعية ، ومدى تأثير تلك المشكلات على التنمية العالمية . وللآن لم تقدم حلول على المستوى الدولي، فيما يتعلق بالاحتباس الحراري والجفاف والانبعاث الكربوني، ومدى تأثيره على المنافع والأراضي الزراعية والسهول والمياه . نعايش اليوم تأثيرات شديدة الصعوبة، ويواجه الاقتصاد تحديات تراجع موجات البرودة والاحتباس الحراري، وفي المقابل يدرس خبراء الصناعة طيلة سنوات أبحاثهم سبل تقليص الاعتماد على الوقود، وتفعيل الطاقة المتجددة لتكون بديلاً عن طاقة الوقود مثل الرياح والأمواج والشمس. فالدراسات أخذت واقعاً عملياً منذ سنوات، وبدأت العديد من الدول في بناء مدن شمسية، ومراصد لإنتاج الكهرباء من الرياح والأمواج ، وسعت أيضاً لرسم خرائط لمدن خضراء صديقة للبيئة. وبدأت مشروعات تنموية عديدة في الشرق الأوسط تعلن عن مخططات تحاكي البيئة، إلا أنها تسير ببطء شديد لا يتناسب مع التفاقم السريع للاختلال المناخي والتي تقدرها الأمم المتحدة بمعدل خطورة يصل إلى 54%. من أبرز التأثيرات السلبية هو فقدان التنوع البيولوجي ، ومخاطر انقراض العديد من الكائنات الحية تقدر ب 5% ، ووصول نسبة التصحر للأراضي إلى 40% والتي أدت إلى الجفاف وزحف اليابسة والرمال، وتوقعات باندثار جزر ومساحات زراعية نتيجة الانهيارات الطينية والبراكين والحمم الملتهبة . دول العالم أنفقت الكثير من الموازنات الضخمة لصندوق المناخ تجاوزت الـ 9 مليارات دولار ، بهدف مساعدة الدول النامية والمتضررة في النهوض بإجراءاتها من أجل حماية إنتاجها الزراعي والحيواني ، إلا أنه على الأرض لا نجد شيئاً ملموساً. هذا وتعتبر المهددات السياسية والاضطرابات والنزاعات المسلحة وتشريد التجمعات السكانية من مواطنها الأصلية بسبب الحروب والدمار أحد أسباب الاختلال المناخي، لكونها تؤثر سلباً على المقدرات البيئية لكل منطقة. فقد ضاعفت التوترات السياسية في عدد من الدول من صعوبة إيفاء العالم بالتزاماته بين تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية وبين تقديم معالجات لإنقاذ الكوكب من تأثيرات المناخ السلبية. في رأيي أنّ ما نعيشه اليوم هو ثورة الكوكب على أخطاء الإنسان في معالجة الأنشطة الصناعية والتجارية التي أضرت بالبيئة، وأصبحت معها الدراسات عاجزة عن الوصول إلى طريق الطاقة النظيفة التي تأخر ظهورها كثيراً، ولم يعد بالإمكان البحث عن سبل التكيف مع التغير المناخي. أما الجهود الخليجية .. فإنّ دول التعاون تعقد الآمال على الطاقة البديلة ، التي تزخر بها مثل الطاقة الشمسية والمياه والأمواج والحرارة، والتي يمكن أن تكون بديلاً عن الصناعات النفطية والوقود، حيث يتطلع العالم اليوم إلى الطاقة المتجددة، لكونها الأقل كلفة، والأكثر فائدة، والأفضل من حيث نسب التلوث . وبدأت دول المنطقة تنحو البحث عن أوجه استثمارات متعددة في الطاقة المتجددة، لتكون بديلاً عن الطاقة التقليدية، وبنيت المصانع والمراكز البحثية الواعدة في الدوحة وأبوظبي ودبي والرياض، وكلها تنتهج البيئة النظيفة الخالية من تلوث الوقود. تركزت الاستثمارات على ترسيخ قيمة ثقافة الطاقة كمفهوم استراتيجي مستقبلي، ومحاولة إيجاد منافذ جديدة للطاقة منها الشمسية والرياح والحرارة والأمواج والكهرباء، وتنويع مصادر الدخل، والاعتماد على مجالات داعمة للطاقة على أن تكون داعمة للبيئة.