15 سبتمبر 2025

تسجيل

عبادة تنظف اليد والضمير

05 أغسطس 2013

إن الإسلام يضفي على أرجاء أمته روح الخضوع لله ويجعل من رسالتها الإنسانية الكبرى بعد التمكين لها في الأرض أن تتشرب الجماهير عاطفة الحب وألف النداء المنبعث من أرجائه. (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور). إن العبادات التي شرعها الله وسماها الشرع- أركان الإسلام- والتي تجمع ملخصاً لجمهرة شرائعه رياضة للنفس عظيمة الأثر جليلة القدر في تربية الأخلاق وتقويم الطباع وترويض الإنسان على الخضوع لله عز وجل في سلوكه كله، فهي تدريب الناس على طاعة الله وإحسان الخضوع له والبعد عن الرذائل التي زجر عنها. ولهذه الأركان آثار نفسية واجتماعية فمن أداها ولم يستفد منها الخضوع الواجب لله في كل شيء فكأنه لم يفعل شيئاً، لأن الأساس الأول لغرض هذه الأركان هو أداء حق الله عز وجل والقيام بوظيفة العبودية واعتراف البشر بأن الله الذي خلقهم ورزقهم يجب أن يعبد ويشكر، ثم بعدها يعطي ويثيب. فما قيمة صلاة أو صيام لا يعلمان المرء نظافة اليد والضمير فقد روى ابن ماجة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال جبال تهامة فيجعلها الله هباءً منثورا، فقال الصحابة رضي الله عنهم: يا رسول الله صفهم لنا حلهم لنا لا نكون منهم ونحن نعلم قال: أما أنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها أي أنهم لم يستفيدوا من الطاعة التي يقومون بها من إحياء ضمير يراقب الله في سره وعلنه لهذا لم تحسب لهم هذه الطاعات في سجل الأعمال الصالحة (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً) مع أنها بلغت أمثال الجبال. إن هذه العبادات حركة حقيقية في صقل الإنسان وترويضه على الخضوع لله عز وجل في سلوكه كله فهي عمل حقيقي لبناء النفوس على الخير وصياغتها على نحو يتنزه عن الدنايا ويبتعد عن الرذائل. قال الله تعالى (إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر) هذا كلام من شرع لعبده الصلاة فإذا رأينا مصلياً لا ينتهي عن الفحشاء والمنكر فلا يعني هذه الريبة في الخبر الإلهي بل السبب أن المصلي يمثل حركات الصلاة، وليس مصلياً حقيقياً. فالصلاة في لباسها وحقيقتها مناجاة عبد لربه. إن الإسلام لم يشرعها عملاً فردياً بل نظاماً جماعياً تتراص فيه الصفوف وتلغى فيه الفوارق وتشرف الدولة عليه لأجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة" استجابة لأمر الله عز وجل الذي قال: " يقيمون الصلاة" ولم يقل يصلون الصلاة فالله يقول " يقيمون" والنبي يقول " إقامة الصلاة" وإقامة الصلاة جماعة جزء من إقامتها وتمامها الإقبال عليها وإشعار البيئة كلها بالمبادرة إليها والمحافظة عليها في أوقاتها لأنها (كتاباً مؤقوتاً) إن للصلاة سنناً وأركاناً ينبغي أن يستجمعها المصلي فإذا تمت كانت صلاته صحيحة ولتذوق حلاوتها ينبغي أن يخالط ذلك الخشوع والتدبر لمعانيها أثناء القيام بها وبعد انقضائها. (فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتاً). إن إقامة الصلاة من أبرز الأعمال الصالحة لجعل الخضوع لله ظاهرة اجتماعية لا مسلكاً فردياً خاصاً، وفي سبيل ذلك أعدت المساجد لاستقبال الرجال والنساء والصبيان كي ينتظموا صفوفاً وراء إمام يرتل القرآن ترتيا ويكبر الرحمن ويمجده، وقبل كل صلاة يعلو صوت المؤذن يشق حجاب الغفلة السائدة ويطرد الصمت وظلمة الليل معلناً أن "والصبح إذا تنفس" نفس الصباح والأرواح ليعلو فوق صخب الحياة المعتادة مهيباً بالخلق أن هلموا إلى ساحة المجد والخلود الأبدي واستعدوا للمثول بين يدي خالق الكون كله (فالق الإصباح الذي جعل الليل سكناً والنَّهار حسباناً). (فأعبده واصطبر لعبادته...) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين