14 سبتمبر 2025
تسجيلفي خيمته العربية الجميلة كان لقاؤنا الأول مع سفير دولة قطر بعمان سعادة الأستاذ زايد بن سعيد الخيارين كان قد دعا إليها مجموعة من نخبة الصحفيين، في سهرة رمضانية لطيفة كريمة واجتماعية وفي بحر الأسبوع ذاته كانت هناك سهرة رمضانية أخرى في ذات الخيمة القطرية الأردنية جمعت العديد من الشخصيات الأردنية، كان أبرزهم الأمير الحسن بن طلال، ويبدو أن السفير الخيارين قد فهم سريعا طبيعة المجتمع الأردني الأصيلة المتعانقة مع روح بلادنا البدوية والقروية، ففتح نوافذ العاصمة الدوحة على شواطئ المجتمع الأردني في سابقة ذكية جدا تسجل له. الحديث هنا ليس عن طيب "المعزب" المشكور ولا المديح والنفاق، بل بالكيفية التي يستطيع الدبلوماسي التعاطي من خلالها مع عامة الناس في البلد الذي يخدم فيه، للوصول إلى القواسم المشتركة بين أبناء الشعب العربي الواحد في القطرين، فهناك الكثير من سفرائنا يأتون ويذهبون ولا يعرفون خصائص المجتمع الذي عاشوا فيه لسنوات عدة، وبناء على شخصية السفير يمكنك أن تحدد نجاح أو فشل عمل السفارة كمندوب سام للدولة في بلد آخر، فإما أن يغير ما يستطيع من مفاهيم سلبية لدى الآخر، أو يزيدها، وهذا ما يحدث مع كثير من السفراء والدبلوماسيين العرب والغربيين أيضا. الجلسة لم تأخذ وقتا طويلا، ولكن الحديث على مائدة الطعام كان فرصة لنعرف بشكل خاطف محددات التوجه المنفتح للدبلوماسية القطرية يمثلها رجل ذكي يبحث عن الأفضل لبلده من جهة، ومؤشرات الكفاءة في الشخصية الوظيفية يمثلها المواطن الأردني المحترف من جهة أخرى، وهذا بالطبع تستشفه من خلال إشارات وملاحظات السفير، فالسيد السفير أجاب عن أسئلة عادية ولكنها تحمل مضامين كبيرة، فعدد الطلبة القطريين في الجامعات الأردنية بتزايد، والعسكريين أيضا الملتحقين بدورات عسكرية في عمان لا تنقطع رحلاتهم ولا تكل همتهم. كذلك فإن تأشيرات السفر إلى قطر لرجال الأعمال خلال فترة توليه مهامه على الأقل زادت بنسبة جيدة، وعدد الموظفين الأردنيين المتعاقد معهم للعمل في قطر ارتفع بعد اختيارهم من قبل اللجان القطرية المختصة، وهنا يأتي دور الشهادة الأهم من الشهادة التحصيلية، حيث ينقل السفير عن أعضاء اللجان التي كانت تقابل الموظفين في عمان وكانوا من قبل يتجولون في بعض العواصم العربية، قولهم إن الموظف الأردني يعتبر من أكثر الأشقاء مهنية واحترافا وتدريبا واحتراما لذاته وشخصيته. من هنا ننطلق إلى رحاب الخيمة العربية الأوسع، فإذا كان العرب جميعهم نسل عدنان وغسان فما من داع لأن نزيد من التشرذم السياسي والجغرافي والفكري كي نشرذم الهوية العربية أكثر، فالأصل والحسب عامل مهم جدا في محددات الشخصية العربية، ولكن الأهم هو المنبت وسياسة التعامل مع الآخر، لذلك تحتل المجتمعات الأقرب إلى بيئتها العربية الأصيلة مكانة رفيعة بين الشعوب الكريمة المتواضعة الشريفة، وهي تتآلف مع من يشبهها، لهذا لم يكن مستغربا أن ترى سفير الدوحة بعمان وهو يجمع خلال العشر الأواخر من الشهر الفضيل مختلف أطياف المجتمع الأردني وشخصياته، وهذه بقناعتي هي من أهم حملات العلاقات العامة التي تخدم العلاقة بين الشعوب العربية، إن لم تكن الأهم، فالسفير بذكاء يوصل رسالة الدوحة بكليمات قليلة وقبلات أكثر. فقطر تقف منذ ما يقارب العقدين في الزاوية الأكثر شعبية في الدول العربية، ولعلها تدخلت في أكثر بؤر الصراع دموية في العالم العربي، الأراضي الفلسطينية المحتلة وغزة، إلى جنوب لبنان عقب حرب يوليو، فالسودان ثم اليمن، وليبيا ثم سوريا، كانت السياسة القطرية أقرب إلى نبض الشعب العربي، وتحاول أن تلعب دور الأخ الكريم في مجتمعات مخترقة مخابراتيا وسياسيا، صبغتها العامة التشكيك، ولكن الدوحة اليوم زادت عن ذلك لتصل درجة الأخ الحكيم أيضا، التي تضمنت مرحلة انتقالية للسلطة بشكل سهل سلس أبرزت أجمل شمائل العروبة وهي الإيثار، وإتاحة تبادل السلطة بروح العصر ودم الشباب. لذلك يعول على الأشقاء في قطر العمل لقبول المزيد من بناء جسور التواصل مع أشقائهم في الأردن، ولعل مؤسستي الحكم الشابتين بأشخاص زعيميهما هما من أكثر الشخصيات الحاكمة إدراكا لمآلات المستقبل العربي إذا بقي الحال على ما هو عليه من الجفاء والمناكفات والاستقطاب والمحورية التي نراها تمزق الدول العربية عموما، وأعتقد أن مهمة السفير أيضا ليست بالسهلة، فالأردن هو مستشفى مفتوح لتضميد الجراحات السياسية للأشقاء العرب المجاورين له، رغم أنه يكابد الجراح الاقتصادية والسياسية المؤلمة، ومع هذا فلديه مساحة كبيرة لاحتضان الأشقاء والأحبة، خصوصا مع الشقيقة قطر وأهلها الطيبين الذين لهم مكانة خاصة في قلوب غالبية الشعب الأردني. تبقى العلاقة بين البلدين الشقيقين قطر والأردن كما هو حال الغالبية العربية الطيبة، مرتبطة مشيميا بتاريخ عربي إسلامي خالد، ولذلك نتمنى أن تتوطد العلاقة لخدمة الأمة، وإشعار إخواننا الأردنيين في قطر أن البيت بيتهم كما أكد عليها سعادة السفير، وهذه دعوة لهم للاستمرار على نهج الشرف الوظيفي والأخلاقي المعروف عنهم. وكل عام وأنتم بخير