06 أكتوبر 2025

تسجيل

ليلة الرحمتات.. قرنقعوه سوداني

05 أغسطس 2013

• ما أن حلت ليلة الخامس عشر من رمضان حتى انطلق الصبايا والصبيان ملأوا الدوحة وضواحيها فرحاً وضجيجاً بملابسهم المزركشة والأهازيج التراثية "قرنقعوه قرنقعوه.. اعطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم" فنشطت الذاكرة لأيام الطفولة المترعة بكل ما هو جميل.. فالعادات التراثية للشعوب رديف لفطرتهم ومساند لميولهم المشتق من هويتهم. • "والرحمتات الرحمة جاءت او عشاء الميتين" احتفال شبع لأطفال السودان ومساكينهم، حيث تحرص الاسر في الجمعة الاخيرة من رمضان ليكون الشبع للجميع، ويطلق عليها: "الجمعة اليتيمة" لأن لا جمعة بعدها، وضمن العشر الأواخر، وتيمماً للمصطفى "ص" حيث كان اسرع من الريح المرسلة لبذل الخير. • وليلة الرحمتات.. تمتين لصلة الأرحام وللبذل السخي لينام الجميع في تلك الليلة، وليس فيهم جائع وتتبارى الاسر لعمل الفتة، ويذبح الموسرون الذبائح.. و"الفتة" خبز مشرب بالشوربة والأرز واللحم، ويطوف الأولاد والبنات يطرقون بفوارغ العلب المعدنية المليئة بالحصى لتصدر أصواتا إيقاعية تتناسق وترانيمهم، وللإسراع لهم بالوليمة التي تبدأ من منتصف النهار يأكلون بعدها التمر المنقوع في الماء، ويدهن للبنات شعورهن بدهن طيب ذي عطر فواح مغلي بمنقوع القرنفل "المسمار" وتحرص ربة الأسرة لتصب الماء بنفسها على أيدي الصغار لغسلها وهم يرددون "الله يرحم موتاكم" تين تين اعطونا عشاء الميتين" في سيمفونية روحانية تجذب أحباب الله ليشاركوا بالدعاء المستجاب في نهار وليالي رمضان. • وبرغم انني لم اجد اصلا لهذه العادة المنتشرة تقريبا في كل أقاليم السودان، فإن مفردات اهازيجها مرتبطة بالبذل والدعاء والترحم على الأموات، ودليل على الفطرة السليمة فالتمر والتين من فضائل الشهر لقيمتهما الغذائية، وكان المصطفى (ص) يبدأ فطوره بالتمر، كما أن فلسفة الصوم مؤازرة للفقراء والمحتاجين وفرصة للمساكين للشبع والارتواء. • والسودانيون عرفوا بالكرم والنخوة وما زالوا رغم الظروف الاقتصادية الحالكة والغلاء المعيشي الطاحن، أكثر حرصاً على نصب ما يشبه الخيام الرمضانية وسط الاحياء والميادين العامة، وكل أسرة تخرج طعامها من وجبات شعبية "كالعصيدة والقراصة" والتمر والبليلة مترجمين مقولة "الجود بالموجود" في تظاهرة اجتماعية تحيي روح التواصل، فيتناول المعدم طعاماً من جاره الغني باللحوم والفواكه الطازجة، وللعزاب وعابري الطريق العام وقت الإفطار النصيب الاكبر. • إن العادات والتقاليد في دولنا العربية والاسلامية تتشابه، وإن اختلفت مسمياتها وهي في الاصل توطن لإعانة الضعيف ومساندة المسكين وإعالة اليتيم وكفالة المحتاج وطالب العلم والمرضى.. وسع الله عليكم جميعا وملكنا وأياكم الاجر والثواب.. أمين. همسة: القرنقعوه أو ليلة الرحمتات عادات موغلة في القدم؛ فهي ترسيخ للعدالة الاجتماعية في أسمى معانيها.